|
السيد خالد بحاح؛ سأكون معك صريحاً، فالصراحة واجبة في مثل هذا الوقت لكي تجتاز الحكومة الحواجز، والمسألة ـ باختصار ـ هي أن الحكومة لم تضع أقدامها بعد على الطريق الصحيح؛ يعود السبب في ذلك إلى المماحكات السياسية التي تعيشها القوى السياسية والتي لا تريد إخراج البلاد من حالة الإخفاق التاريخية المزمنة.
ولست بحاجة إلى القول إنه لا خروج من الواقع البائس إلا بجرعة مكثفة من الاستثمارات، وهذا لن يتأتى إلا باستقرار أمني بطول البلاد وعرضها وبإرادة قوية للتنفيذ، ورغم حديث كل القوى السياسية عن اليمن الجديد وعن المستقبل، إلا أن كل طرف من هذه الأطراف يتربّص بالآخر، وإذا لم تضع هذه الحكومة جدولاً زمنياً للانتخابات وتهيئة الملعب للعودة إلى الديمقراطية وإلى الإرادة الشعبية؛ فإن الزمن سيظل ضبابياً وسيظل طريق التنمية غامضاً.
ما يهمّني هنا هو أن تصل الرسالة الآتية:
لن يحدث استثمار ولا تنمية ما لم يتم إصلاح جوهري في الجهاز الحكومي بما في ذلك العاملون والقوانين واللوائح وإصدار قانون خاص بالإرهاب يشمل من يقوم به أو يساعد عليه أو يتستر على الإرهابيين، فموقعنا ـ وفق تقارير البنك الدولي ـ يأتي في مكانة متدنّية وتعيسة، ونحن أكثر تعاسة من الآخرين، فنحن في بلد لا توجد فيه تصاريح للبناء ولا توجد فيه كهرباء، وملكية الدولة منهوبة، والمستثمرون لا يحصلون على الحماية القانونية وإنما حماية الفساد والفاسدين والتهرُّب الضريبي قائم وكراهية الوظيفة العامة سائدة.
والحقيقة هي أن المسألة تكمن في القدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه، ولا أشك أن الحكومة تدرك أننا لا نعيش وحدنا في العالم، لكنها ستصاب بعمى البصر والبصيرة، إذا تصوّرت أنها قادرة على التغيير بعيداً عن استقلال قرارها.
صحيح أن لدينا مميزات جغرافية وسياحية لجلب الاستثمار؛ لكن ذلك غير كافٍ مالم تقدّم حوافز أمنية ومالية، ولا أعتقد أن الحكومة الحالية ستكون أفضل من سابقتها ما لم تخرج من المأزق الذي وضعت فيه الحكومة السابقة وما لم تحدّد برنامجها الزمني بوضوح وما لم تقدّم طريقاً يصل بالشعب اليمني إلى الحفاظ على أمنه واستقراره وتعظيم ثروته.
ولابد من محاربة الفساد بكل حزم، فالفساد هو الفساد مهما أضفينا عليه من مبرّرات لنقنع بها الآخرين، ونخدع بها أنفسنا؛ لذلك أتمنّى على رئيس الحكومة ألا يجعل مرجعية حكومته ما سمي بثورة الشباب كما كانت مرجعية الحكومة السابقة وبعض الخطابات التي ظلّت تتوارى خلف الشعارات الثورية التي لم تنتج هذه الثورة سوى تفكيك الدولة ومشاهد الدماء والرقاب المذبوحة والأشلاء المتناثرة بواسطة الجماعات المتوحّشة.
هذه الثورة لم تحصد اليمن منها سوى نسخ متعدّدة للفكر المتطرّف وإن اختلفت المسميات والرايات، فالكل ينتمي إلى مرجعية واحدة تزعم أنها تنتصر للإسلام.
وإذا أعدنا قراءة الأحداث فسنجد أن الأحزاب التي وقفت وراء الثورة المزعومة وساندتها ودعمتها بكل أدوات التمويل والتحريض والحماية هي التي تستغيث الآن من خطرها المدمّر.
لابد للحكومة أن تنأى بنفسها عن أولئك الذين خطّطوا أو يخططون لنشر الفوضى وأولئك الذين يريدون خلق تحالفات مشوّهة تعمّق الجراح وتزيد من الفتن، بدلاً من أن يرفعوا أيديهم عن البلد ويوقفوا ماكينات التحريض ضد الدولة وسيادتها.
وفي اعتقادي أن الحكومة تستطيع أن تستأصل شأفة التطرُّف والإرهاب لو أنها جعلت الوحدة الوطنية هي المرجعية، وجعلت المطالب الحقوقية تصبُّ في خانة الوحدة وليس ضدّها، فالوحدة الوطنية قادرة على هزيمة الخطر الإرهابي وهزيمة كل الميليشيات؛ وذلك بتوحيد الخطاب السياسي والديني المستنير الذي ينتصر للحياة ضد الموت وللبناء ضد الهدم وللتعايش ضد الصدام والتسامح ضد الكراهية.
وعلى الحكومة ألا تستغفل الشعب اليمني، فهو لديه قدرة على الفهم والفرز والتوصيف والواقع المعاش، فهذا الشعب يرفع حكّامه إلى مرتبة عليا، إذا شعر أن السلطة بالنسبة لهؤلاء الحكّام هي مسؤولية وشرف وعطاء وواجب، ويهبط بهم إلى درك سحيق عندما يرى أن السلطة بالنسبة لهؤلاء ليست سوى سُلطة مطلقة ووصايا وإمعان في القهر والظلم.
الشعب اليمني يرفع درجة حبّه إلى مرتبة التقديس لمسؤوليه، عندما يحس أن كرامته مرتبطة بكرامة الوطن، وحريته مرادفة لحرية الدولة واستقلال قرارها، وهو يصب غضبه على أولئك الذين لا يقيمون وزناً لحياة الناس ويدفعون بهم إلى مغامرات غير محمودة.
في السبت 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:24:07 ص