كل الاحترام لأداء واثق وحماسي ينقصه الكثير
كاتب/فتحي أبو النصر
كاتب/فتحي أبو النصر
بجدارة نوعية لم يتوقّعها أحد فرض منتخبنا الوطني نكهته الخاصة على بطولة «خليجي 22» والمفترض أن يتم الاعتناء بهذه التشكيلة الزاخرة وتنميتها لا التفريط بها والتعامل بهمجية مع كل بطولة قادمة عبر الصيغة المعروفة «هيا لقّطوا لنا لاعبين قد نوينا نشارك»..؟!. 
فالأداء الواثق رغم هفوات اللا تكتيك، والأداء الحماسي رغم تدهور اللياقة البدنية؛ جعل لنا بصمة مائزة في هذه البطولة بحيث كنا مفاجأتها عن استحقاق وقدّمنا مباريات كبيرة حتى خرجنا مرفوعي الرأس. 
ومن المعروف غالباً أنه يتم إهمال أبطالنا المثابرين كما حصل مع منتخب الناشئين العظيم ما بعد 2003م، إذ يعودون إلى اليمن بكامل طموحهم ويتشتّتون في هموم الحياة، بينما يعانون من المعاملة السيئة، ولا يتم الاعتناء بهم بالمساندة اللائقة، وتنشيط الإيجابيات بدلاً عن تكريس السلبيات. 
فالدوري بالضرورة يحتاج إلى تقوية لـ«تقوية المنتخب» وبالذات لابد من إقامة دوري لفئتي الناشئين والشباب والاستمرار فيهما، أما الاتحاد فهو مطالب بوضع خطط استراتيجية جادة نحو الارتقاء والتراجع عن العشوائية المكرّسة بدلاً عن شغل «طيسي فيسي»..!!. 
ولقد بدا واضحاً أن هنالك أحلاماً وطنية تحتاج إلى اعتناء وترشيد لتكون أكثر فاعلية، كما أن هنالك أداءً فطرياً مدهشاً يحتاج إلى تطوير حتى لا يبهت. 
وبالمناسبة؛ ترى هل تذكرون منتخبنا الوطني للناشئين الذي وصل إلى كأس العالم في فلندا عام 2003م وكان ممثّل العرب الوحيد، المنتخب الذي أدخل اليمن لأول مرة في تاريخها إلى السجل العالمي الفارق، المنتخب الصغير الذي كان يجب أن يستمر كبيراً، المنتخب الذي اجتاز تصفيات كأس آسيا دون أن يتوقع أحد فوزه على البحرين والكويت وفلسطين والسعودية والإمارات وفيتنام وباكستان وسوريا والصين ليحل وصيفاً لآسيا بعد تعادله مع منتخب كوريا الجنوبية البطل الذي تجاوزه بضربات الترجيح فقط؛ بعدها وصل منتخبنا المثابر والخلاق إلى كأس العالم عن استحقاق شهد له العالم، كما خاض مع أبطال القارات في كأس العالم داخل مجموعته البرازيل والبرتغال والكاميرون مباريات مبهرة ومتألقة؛ ليغادر المنافسة الدولية الرفيعة بعد منافسات معتبرة جعلته منقوشاً في ذاكرة محبّيه باعتباره منتخب الأمل، المنتخب الذي قدّم عروضاً كروية مشرّفة ومفاجئة متجاوزاً منتخبات تفوقه خبرة وتاريخاً خصوصاً ما حملته عروضاته في المباريات الودية التي انتصر فيها أمام فرق مرموقة على المستويين الآسيوي والدولي، المنتخب الذي تعرّض بعد سنوات قليلة لمؤامرة إقليمية إقصائية تعاضد معها لئام الداخل وسماسرته فباعوه بثمن بخس ولم يقفوا بجانبه لإنصافه والإخلاص لاسم اليمن..؟!.. ثم من ينسى الكابتن عبده علي الإدريسي، القعر وشريان والصلوي وجعيم والسلاط وراجح والعماري والحيدري والورافي ومحمد عياش «حارس المنتخب الأول اليوم»..؟!. 
 النجوم الذين كانوا أنداداً لعظماء الكرة في القارات الخمس من الناشئين حينها، وبينما أصبح هؤلاء أسماء مرموقة على صعيدي الاحتراف ومنتخباتهم الوطنية؛ أصبح أبطالنا مجرد غرباء، دعونا نتساءل في المقام: إلى أين آل بهم الوضع..؟!. 
بالتأكيد ليس غريباً القول إلى مفرمة الفساد والبيروقراطية والمزاجية والشللية والإقصاء الا ما ندر، مروراً باستخدامهم البغيض في الدعاية السياسية، ثم وصولاً إلى تعرّض عدد منهم للإصابات والتنكر لهم وتركهم للمصير السيئ الذي لا أشنع منه. 
وللتذكير.. تم من بعد ذلك المنتخب المثالي عدم الاهتمام بالناشئين كما ينبغي، حتى كانت «أضاعونا وأي فريق أضاعوا» لسان حالهم تماماً؛ وهكذ رويداً، رويداً صارت تشكيلة غالب المنتخبات الأولى تأتي من فراغ أو بالصدفة «لا فرق» ثم تؤول إلى الفراغ والفوضى «لا فرق»..!!. 
تأتي بمزاج المدرّب الطارئ وأسلوب الوساطات لا الاستحقاق بأسلوب الهوشلية والكلفتة لا بالمسؤولية والنباهة، بأسلوب الأندية المتخبطة الاستغلالية التي تحرق لاعبيها فيشعرون أنهم وحيدون لا أحد يسأل عنهم أو يأبه لهمومهم. 
صدّقوني.. أعرف ثلاثة من لاعبي ذلك المنتخب الصغير الكبير ربطتني بهم صداقة عميقة بعد إنجازهم الرفيع وقد صاروا غرباء بعد أن كانوا الأكثر ارتباطاً بوجدان الناس ورجالات القرار الذين لا يأبهون بالمستقبل. 
أحدهم عمل على «موتور سيكل» ليعول عائلته وترك كرة القدم تدريجياً؛ ولا أعرف أين ذهبت به الحياة، والثاني فضّل الهجرة بعد أن ضاقت عليه البلاد على أكثر من صعيد، أما الثالث فكاد أن ينتحر من شدّة الإحباط والإهمال نتيجة عديد ظروف لا رياضية غايتها تدمير المبدعين والهزء بإرادتهم..!!. 
والثابت هو أن مراكز نفوذ هذه البلاد النكد تعمل حثيثاً من أجل التعطيل والتطفيش والفوضى لتثبت أنها مراكز نفوذ تبتهج على نحو مهووس فقط بخساراتنا القاسية وتخلّفنا الأدائي ومرمطتنا في الوحل ومفاقمة الإخفاقات والخيبات؛ بمعنى آخر لا يتم في هذه البلاد سوى الاستهتار بالتراكم، ولأسباب معقّدة أيضاً يتم قهر كل لاعب متفوّق ويحلم. 
وأما بالعودة إلى بطولة «خليجي 22» فيمكن الخلوص إلى أن النتيجة معقولة لمنتخبنا، بل إنها منطقية مقارنة بما تعانيه الرياضة اليمنية من أزمات بنيوية عميقة، أو على الأقل بسبب فارق الخبرة والجاهزية بيننا والمنتخبات التي واجهناها ما جعلنا لا نغادر البطولة بالشكل المذل الذي كان لصيقاً بمنتخبنا منذ مشاركتنا فيها وإنما بشكل يستحق الاحترام وأكثر. 
ولنأخذ في الاعتبار أولاً أن راتب لاعب قطري يعادل 5 أضعاف ميزانية الكرة اليمنية، ولنأخذ في الاعتبار - وهذا هو الأهم - أن ميقات هذه البطولة خفّف كثيراً – بالمعنى المعنوي - من حجم التصدّعات السياسية والمجتمعية الفادحة التي تعانيها اليمن. 

fathi_nasr@hotmail.com 


في الجمعة 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 06:23:26 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2083