المَلْحمة العربية
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز

تمثل الملحمة نسقاً خاصاً من التدوين التاريخي المقرون بالغنائية الشفاهية عند العرب، بل المونودراما الخاصة بالأداء الصوتي والتعبيري القرينين بالخصـوصية اللغـوية والإشارية، وقد عرف العرب الملاحم عطفاً على تداخل نسيجي مع الحضارة الإسلامية، وكانت العربية الرافعة الكبرى لتلك الملاحم في مستوييها «النَّصبصري» والصوتي، وبما يتجاوز الاتصال اللفظي بمراحل، ومن هنا كانت تلك الخاصية الهامة.. غير أن تلك الملاحم عبَّرت أيضاً وضمناً عن تلاقح مع الحضارات والثقافات الإنسانية، حيث نجد فيها الحروب الصليبية كما في سيرة الظاهر بيبرس، وتقاطعاً صراعياً مع الأحباش، كما في سيرة سيف بن ذي يزن، كما نجد في تضاعيف تلك الملاحم تسجيلاً دقيقاً للأحوال الإجتماعية الثقافية والسيكولوجية في العصور الجاهلية والمملوكية، فيما تخوض الملاحم في زمن التواشجات الإبداعية مع الملاحم الإنسانية المختلفة دون أن تفقد خصوصيتها العربية. 
الـنمـط الـملحـمي في التـدوين الـتـاريخـي يتَّسـع لــدراســات انتربولوجية وأركيولوجية مؤكدة، فالنصوص التي نحن بصددها اقترنت بفنون التدوين البصري والدلالي للحضارة العربية الإسلامية، كما أنها تنطوي على إشارات هامة، واختراقات زمكانية تخرجها من إطار الحدث المرصود إلى فضاءة أشمل وأعم. 
إنه ذلك التعبير الذي يمازج بين الواقع والخيال.. بين المُمكن والمأمول، بل بين المعقول واللامعقول، بوصفها حقيقة موضوعية تستمد قوتها من مفارقات الدهور وتحولاتها. 
الملاحم العربية ليست نصاً على أهميته المركزية في المعادلة، بل عتبات للنصوص تنفتح على معالجات بصرية دلالية، وخطوط تستقيم على جماليات تستمد جذرها من علم جمال الشكل العربي الإسلامي، وتعبيرات تذهب بعيداً في أنساقها الصوتية وإيماءاتها الحركية. 

Omaraziz105@gmail.com 


في الأربعاء 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:07:59 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2106