|
شكَّل الرحالة العربي المغربي الأشهر ابن بطوطة علامة فارقة في أدب الرحلات في العالمين العربي والإسلامي، لكنه إلى ذلك تساوق مع موجة الرحلات في تلك العهود التي ازدهرت وتنامت فيها ظاهرة الرحلات المقرونة بالتدوين الثقافي الشامل.
رحلة ابن بطوطة الأطول زمناً كانت في الهند، وسنرى كيف وجد نفسه أمام مجتمع متعدد التراكيب الدينية والثقافية والحياتية، فقد كان عليه أن يُلامس آثار الآداب والفلسفات والديانات المختلفة، وخاصة المهابهارتا، والرامايانا، واليونشتياد والفيدا، وكانت هذه الآداب والمفاهيم تتقاطع حصراً مع الديانتين الهندوسية والبوذية في نسختها الهندية الأكثر تجذراً.. لكن ابن بطوطة لم يتعمَّق في شرح الأبعاد المفاهيمية في هذه الديانات وكتبها المقدسة عند اتباعها، بل لاحظ على وجه أخص تلك الأُمور الغرائبية اللافتة للنظر، كما هو الحال بالنسبة لتقاليد «الساتي» القاسية والمفارقة لجوهر الديانة الهندوسية، فقد كان هذا التقليد يقضي بأن تنتحر الأرملة حرقاً مع زوجها الميت، وهو أمر لم يكن مُشرعناً ومقبولاً في مناطق الحضور الديني الإسلامي بالهند، كما لاحظ الانتحارات الذاتية المقدسة في نهر «الكنك»، بترك جثة الميت نهباً للطيور الجارحة آكَلة الجيف.
اعتنى ابن بطوطة بتلك التقاليد الغرائبية القاسية، ولم يقدم تفاصيل الأديان والعقائد، ربما ليقينه الإيماني بأنها عقائد مُجافية لعقيدته الإسلامية، وربما لكونه من متصوفة المغرب المتسامحين مع عقائد الشعوب.
ومن لطائف سيرة ابن بطوطة أنه شاهَدَ رؤيا خاصة وهو يتجول ببساط يطير به في مواقع بهية صافية، وأُخرى مظلمة قاتمة، وكأنه بذلك تنبأ بسيرته في الترحُّل الكبير، وصولاً إلى الهند والصين.. هنالك حيث دوَّن بكل دقة وصراحة عديد التقاليد الاجتماعية، وثقافة العمل، وسلوك السلاطين، وعجائب الهند.
التعرُّف على ابن بطوطة تضمين هام لتلك التقاليد المعرفية المقرونة بالمُعاينات المكانية، والتوغل في ممالك العالم وتقاليده وعاداته، والاستقراء الانطباعي المعرفي لما كانت عليه أحوال الدنيا في تلك الأيام، وكلها أُمور تصب في مجرى تأصيل الثقافة العالِمة، ذات الأبعاد المتعددة.
Omaraziz105@gmail.com
في السبت 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:49:42 ص