|
أضحى الشعب اليمني يتوق إلى السلام والحرية والتخلص من أدوات القتل والأسلحة التي باتت تهدد وجوده وتهدد مستقبل أبنائه؛ ولذلك فهو يتطلع إلى سلام دائم وأبدي.
وإذا كانت الجماعات المتأسلمة تعد هذا الشعب وتعد أتباعها بسعادة مؤجلة، فإنه يريد تجسيد هذه السعادة في الحياة الدنيا قبل الآخرة، فالسلام لا يجتمع مع الحرية، والسعادة لا تجتمع مع البؤس، وهو لا يرتبط بحزب دون آخر ولا بمذهب دون غيره، فالجميع معنيون بالحفاظ على حياة هذا الشعب ومعنيون كذلك بتكريس القيم الديمقراطية وروح المواطنة.
يجب على الجميع رفض الحرب سواء على المستوى الفردي أم على المستوى المذهبي؛ لذلك لابد من الاتفاق على السلام لإنهاء الحرب القذرة، والتي ما فتئت جميع القوى من دون استثناء تحشدها، كما لو كانت الحرب هي الغاية الأسمى.
لقد قالوا لنا إن مؤتمر الحوار سيوقف الحرب في اليمن، وما كاد ينتهي حتى اندلعت المعارك الضارية بين جماعة الحوثي وحزب الإصلاح، ربما أن الذين ذهبوا إلى مؤتمر الحوار اعتقدوا أن المبادرة الخليجية ستكون الحامل الحقيقي لمشروع السلم والسلام، أو أنهم لم يكونوا على علم بالمخزون لدى الطرفين من منطلق ديني، فكل طرف من هذين الطرفين يحرّض على الجهاد ويدعو إليه ويعتبره ضرورة بحكم امتلاكه الحقيقة المطلقة التي تدخل في عداوة حتمية مع كل من يدعو إلى حقيقة أخرى مغايرة لحقيقته؛ ومعنى ذلك أن كل فرد في هذا الطرف أو ذاك هو قاتل بالضرورة..!!.
ولست بحاجة إلى القول إن سيادة أي طرف من هذين الطرفين يعني سيادة فكرة الحرب، وإذا عرف المرء أن الأشياء لا تعقل كما هي وإنما يفهمها كل إنسان بطريقته وبقدراته الفردية، فإن الحياة ستتسع للجميع وستضيق الفجوة بين المذاهب المختلفة، وحينما نتفق على علاقاتنا الدنيوية ونترك الآخرة للمولى عزّ وجل؛ فإن الشر سيزول وسيتحقق الخير وستعلو كرامة الإنسان، حينما نحترم هذه الكرامة فالسلام ليس جديداً فهو من أقدم الأفكار التي حثّت عليها الديانات السماوية وشدد عليها الحكماء، يقول المولى عزّ وجل: (ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن) ونحن نعلم أن الله منح البشرية عقولاً يفكرون بها وقلوباً يعقلون بها واستخلفهم في الأرض لإعمارها وإصلاحها والحفاظ على حياة الناس، قال الله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} فقد جرّم الله عزّ وجل الفساد في الأرض وحدد له الطريق السوي لسلوكه: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله).
إن مبدأ الفساد في الأرض أن يزيغ الإنسان ظاناً منه أنه على يقين وينحرف اعتقاداً منه أنه مستقيم، فذلك جوهر الفساد في الأرض والفشل في الاستخلاف، ونتيجة لما سبق فإن الأمة العربية عانت وتعاني من التطرُّف والغلو بسبب انحراف العقول، فكانت النتيجة أفعالاً تشوّه صورة الإسلام الذي يدعو إلى السلام وتسيء إلى المسلمين الذين يريدون سلاماً حقيقياً يعمر الأرض ولا يهدمها.
لقد خلق الله الإنسان ومنحه العقل وزوّده بالنور ومنعه من التعصب أو إطاعة الهوى، ودعاه إلى الانفتاح على الآخر وأن يتفاعل معه، لكن الإنسان المتعصب والجاهل طوّق عقله بسور التعصب والمفاهيم المغلوطة واتبع التأويلات المخالفة للواقع والسنن الكونية، فكانت النتيجة فساداً في الأرض وتدمير المجتمع وفتح أبواب الكراهية وتسعير نار الصراعات بين الناس.
وعلى هذا الأساس فإنني أقول إن المدخل الأمني لوحده غير كافٍ لمواجهة التطرُّف والإرهاب، وإنه لابد من إشراك المجتمع في هذه المواجهة وذلك وفق أربعة أسس هي:
1ـ فهم ظاهرة التطرف.
2ـ إعادة ترتيب علاقة المجتمع بالإسلام.
3ـ وضع مشروع ثقافي تنويري.
4ـ توظيف القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة الاختلاف والتسامح بديلاً عن ثقافة الكراهية والتعصب.
أخيراً أقول لكل القوى السياسية: إما أن تتعلقي بالماضي أو تنظري إلى المستقبل؛ ولذلك من يريد المستقبل فعليه أن يذهب نحو المصارحة والمصالحة بعيداً عن المحاكمات والمصادرات والمصادمات الدامية، لقد كانت الحصانة التي جاءت بها المبادرة الخليجية كافية لبداية سلام حقيقي ولمستقبل إنساني آمن.
في السبت 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:51:19 ص