|
لقد تكرّر الحديث عن سوء الأوضاع العامة في اليمن, وتعدّدت الكتابات المطالبة بضرورة وضع حد لاستمرار الانهيار, لعل الدولة تحس بمعاناة الناس وتعمل على إيقاف التدهور, ومعالجة الاختلالات التي تفتك بالمجتمع.
معروف أن تكرار الحديث وتواصل الكتابات عن هذا الحال ناتج عن معاناة ومرارات وآلام يتكبّدها اليمنيون بكل فئاتهم وشرائحهم, وبالذات في ظل الانفلات الأمني الذي أغرى طرفاً سياسياً ليحل محل الدولة ويعمل على حل مشاكل المواطنين؛ ومع ذلك فالأمل معقود على الحكومة الجديدة التي نثق أنها تدرك أن مهمتها ليست فُسحة سياحية ترويحية عن النفس, أو الاكتفاء بالامتيازات الوظيفية للمنصب؛ وأن مسؤوليتها جسيمة وشاقة تفرض عليها التعامل بروح عالية من الصدق والشفافية, وتجنّب التنظير والوعود التي ولّدت الإحباط واليأس لدى عامة الناس, وأن تدرك أيضاً حجم الصعوبات, وتعقيدات الأوضاع التي يعيشها المواطن في الفترة الراهنة المليئة بالتحديات الجسيمة, وأن تضع لنفسها برنامج عمل عقلاني يوائم بين الاحتياجات والإمكانات المتاحة والابتعاد عن المزايدات والمكايدات السياسية والحزبية باعتبارها حكومة للوطن كله, والتوجُّه نحو العمل والإنجاز الذي يلمسه المواطن, والتركيز على إزالة المظالم وإعادة الحقوق المُستلبة أينما كانت سواء في شمال الوطن أم في جنوبه, وتجاوز حالة التباطؤ في التعاطي مع المشكلات وبالذات المرتبطة بالقضايا الوطنية الجوهرية واتخاذ الحلول الحاسمة لها؛ لأن التباطؤ الذي حدث في تنفيذ استحقاقات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, ومخرجات الحوار الوطني, واتفاق السلم والشراكة الوطنية ومُلحقه العسكري والأمني لم يكن له ما يبرّره, وهو الذي أوصل البلاد إلى ما تعيشه اليوم من فوضى وانفلات وغليان شعبي وتذمُّر واسع, وحراك سياسي ونزعات مشبوهة تسعى إلى تمزيق الوطن وتفتيته, وتهديد النسيج الاجتماعي وهو الحراك الذي تطوّر إلى ما يشبه حالة التمرُّد والعصيان واستخدام العنف.
الأوضاع الراهنة تفرض على حكومة الكفاءات أن تعمل أولاً على تهدئة مشاعر الناس الغاضبة جرّاء تدهور الأوضاع العامة, وتخلي الدولة عن واجباتها الوطنية والدستورية؛ وفي المقدّمة توفير الأمن والاستقرار, وحفظ كرامة المواطنين وصيانة حقوقهم, وإخراج البلاد من المأزق الخطير, وإنهاء حالة الاحتقان الناجمة عن ممارسات البعض المخالفة للدستور والقانون, وما تشهده البلاد من صراعات وتخريب وإرهاب؛ ومن ثم الانتقال بالوطن إلى مرحلة جديدة أكثر أمناً واستقراراً, اعتماداً على المهام التي حدّدها رئيس الجمهورية للحكومة, وما تفرضه الحالة الراهنة, وعلى ما يمتلكه غالبية أعضائها من مؤهلات, وما هو متاح أمامهم من صلاحيات تمكّنهم من دراسة الواقع المعاش بدقّة وتجرد, واتخاذ المعالجات الناجعة للقضايا الأساسية والملحّة أولاً فأولاً, وبالذات المتعلقة بالجوانب الأمنية وبسط نفوذ الدولة واستعادة هيبتها التي بدأت تتلاشى منذ عام 2011م؛ والحد من البطالة ومكافحة الفقر, وتحسين الوضع المعيشي للناس, وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار, ومحاربة الفساد وتجفيف منابعه, وحسن استخدام الموارد, والاستيعاب الأمثل للمنح والقروض, وتعزيز النجاحات المحقّقة التي لا يمكن إنكارها أو التنكُّر لها, وبمنظور يستوعب المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية برؤية استراتيجية تضمن النجاح.
لا شك أن ما يميّز حكومة “الكفاءات” أنها تجاوزت حالة المحاصصة وإن كانت أطراف سياسية معينة حظيت فيها بنصيب الأسد, وهو ما يحتّم عليها الإدراك أنها المعنية دون غيرها بتجاوز كل ما يؤدّي إلى التذمُّر والإحباط, وأن تعمل بما تستطيع لإعادة اللُحمة والوئام بين أبناء الشعب الواحد, وتضييق الفجوة التي يعمل البعض على توسيعها خدمة لمخطّطات تآمرية كبيرة على اليمن واليمنيين, وأن تجعل هدف إخراج البلاد إلى بر الأمان الدافع والمحفّز لها لإحداث التحوُّل الحقيقي في حياة اليمنيين.
ali_alshater@yahoo.com
في الثلاثاء 09 ديسمبر-كانون الأول 2014 09:04:54 ص