|
متابعة للرصد الكرونولوجي الثقافي لمآثر وانتظامات الثقافة العربية الإسلامية التاريخية، نتوقَّف مع لطيفة من لطائف التاريخ الثقافي المقرون بثقافة الورد في التراث العربي، وهي ثقافة بقدر عالميتها المؤكدة تأخذ طابعاً خاصاً في كل بيئة ثقافية، وذلك اتساقاً مع أنواع الورود والزهور، ومعانيها الدلالية المغروسة في الذاكرة الجمعية، وحضورها السِّياقي العام في حياة الأُمم والشعوب، فالوردة قيمة بصرية لونية .. وقيمة عطرية نبيلة، بالإضافة إلى كونها من المنتجات الرفيعة في شجرة الأنواع النباتية، كما أن الزهرة حاضن مؤكد لثمرة واعدة، وهي رحيق للنحل الذي يقوم بوظيفتين فريدتي المثال.. وظيفة التلقيح الواسع للأنواع النباتية، وكذا إنتاج عسل النحل الذي يتموْضع في مكانة مركزية من سلسلة الأنواع الغذائية والدوائية، كما أن الورد قرين الربيع، ودالَّة اللا مُتناهي الجمالي في اللون، واللا مُتناهي الشفيف في الرائحة، وتلك القيم النفسية السيكولوجية التي تميد بالإنسان صوب البهاء النابع من تضاريس الأثير الشفقي للزهور والورود الجميلة.
في الأدب بمعناه الواسع، كما في تاريخ التدوين النباتي .. في الشعر، كما في الموسيقى والغناء.. في السِّير والروايات، كما في التعبير الفني البصري المقرون بالصورة والرسم .. في السينما، كما في المسرح.. في الكتابة المجردة، كما في اللوحة التشكيلية.. في كل هذه الثنائيات تبرز الوردة كمُعادل سحري جمالي لا فكاك لنا منها.
في الكتاب الذي يصدر ضمن سلسلة إصدارات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، نتوقَّف مع المؤلفة الدكتورة ابتسام مرهون الصفار، في تنويعة بانورامية حول المعنى الكُلِّي لثقافة الورد، من خلال أنواع الورود ذات الصفات والجماليات المتنوعة، وكيف تصبح الورود بمثابة رسائل معنوية روحية، بوصفها أجمل رسائل تُهدى للحبيب والمحبوب، كما للمريض العليل، وما هي المعاني الأثيرية التي تخرج من تضاعيف الورد، وكيف تجلَّت هذه الطاقة المعنوية في الشعر العربي.
تلك المقاربات التعريفية الأنطولوجية لها استتباعاتها المؤكدة في جماليات الفوتوغراف، والتشكيل، والموسيقى، حتى أن الورود والزهور تمثل منصة انطلاق معرفي فني لمن يمارس الفنون المختلفة، باعتبار أن الورد يحمل في ذاته قيماً جمالية.. تتناسخ وتتكامل .. تتنوَّع وتتوحَّد .. تنبع من شاهق النُّبل في الصورة ، كما الرفعة في المحتوى.
هذا كتاب يقدم لنا رحيقاً من نصوص تتوازى مع شُهد العسل، وتُناجز تلك الجغرافيا الوَرْدية الجمالية الممتدة في مدى الثقافة العربية التاريخية، وتبحث عبر نسائمها عن البيان والبديع الشعري والنثري، كما في القيم الخاصة للورود والزهور التي تُعمَّر حياتنا بالمعاني والجمال، فيما تحاصر اللا معنى، كما يتلو الربيع الشتاء.
Omaraziz105@gmail.com
في الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:24:01 ص