|
في حديثه إلى لجنة الوفاق الوطني “البرلمانية” في الثالث من ديسمبر الجاري ورد قوله “لن يكون اليمن حقلاً للتجارب والتجاذب الإقليمي والدولي” هكذا قال فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهي مقولة لا أخفي وقعها في ضميري وضمير كل يمني يعتريه الألم كلما رأى وطنه وإنسانه حقلاً للتجارب، أو تدار شئونه بتلك الطريقة التي أضاعت أكثر من نصف قرن من عمر اليمن وحملت معها الكثير من الأعباء والمحبطات.
هذا الإحساس ليس وليد اليوم أو المرحلة الراهنة، بل مرت عليه عقود من الزمن وهو يكبر ويتنامى في الضمائر منذ العقد الأول على قيام الثورة اليمنية “سبتمبر وأكتوبر” وحتى يومنا.
ولسرد بعض الشواهد ـ على عوامل الشعور بحقل التجارب المشار إليه ـ تأملوا ما جرى ويجري في أمور ومستويات كثيرة “من شكل الدولة حتى اللوحات المرورية”.
فكم من المرات يتغير الحال في تحديد شكل الدولة وتوجهها العام والنهج الاقتصادي وحتى التسمية الرسمية والعلم والنشيد الوطني أو السلام الجمهوري، وشعار الدولة في الأوراق الرسمية وطاقيات الجيش والأمن.
تأملوا في التحولات التي تحدث في صِلاتنا وعلاقاتنا بالعالم من حولنا من علاقاتنا بما كان يسمى بـ«المعسكرين» «الاشتراكي والرأسمالي» وبالدول العربية، إلى دول الإقليم والجوار.. وكيف تخضع العملية لما هو فردي أو مرحلي، أو مسايرة لتوجه.. تأملوا ما يحدث ويتعاقب في مجال رئاسة الدولة ومجالسها.. واستحداث الوزارات، ودمجها وإلغائها وتغيير المسميات، واستحداث مناصب الوكلاء.. إلخ.
تأملوا في السياسة التعليمية وما تشهده من تقلبات وتغير في استراتيجيتها، وتوظيفها دينياً وسياسياً.. خاصة إذا ما نظر الباحث في مناهجنا الدراسية من منتصف ستينيات القرن الماضي حتى يومنا.
تأملوا في الهدف الثاني للثورة، وبناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، وكم من الممارسات والتغييرات التي تعرض لها هذا الجيش، تشكيلاً ومهاماً وتمركزاً وتنوعاً في العقيدة حتى نصل إلى الزي وألوان الطاقيات..
وأخيراً ما يشهده اليوم من هيكلة وما يدور حولها من كلام ولغط.
تأملوا في التجارب التي نمر بها في معالجاتنا لاختلافاتنا ومشاكلنا الداخلية، بالدعوة إلى الحوار أو الذهاب إليه، من مؤتمر حرض في ستينيات القرن الماضي إلى مؤتمر الجند ومؤتمر السلام في مدينة خمِر.. حتى مؤتمر الحوار الوطني الذي يذكرنا اليوم بالرعاية أو التدخل أو المشاركة الخارجية في الأخذ بأيدينا نحو الحلول المبنية على الحوار، وما مررنا به من تجارب ورعايات لمؤتمر حرض، ومؤتمر الطائف ولجنة السلام، حتى رعاية الدول العشر والمندوبين الدائمين للمملكة البريطانية ومجلس التعاون الخليجي، وما نسمعه اليوم عن مبادرة جديدة ومراجعة لفكرة الأقلمة، ولقاء ألمانيا ومن دُعي لحضور هذا اللقاء من المكونات السياسية.
نكتفي بهذه الأمثلة وما أكثر الشواهــد المتواليــةـ منذ نصف قرن ـ على ما نمر به أو نتعرض له من ممارسات جعلتنا نحس بأننا حقل للتجارب وعينات اختبار لتمرير ممارسات ومصالح مغلفة بمزايدات وزيف التلاعب الإعلامي بالعقول، وتنفيذ مخططات الاستيلاء على جهود وتضحيات الآخرين، وإقناع المواطن البسيط بما هو مضاد لمصلحته وحقوقه المشروعة، بل ويدمر أمنه ووحدته الوطنية، ويشرعن لاحتكار السلطة والاستبداد بها. ويخل بميزان تكافؤ الفرص، وغير ذلك مما عانيناه ونعانيه جراء التعامل مع شعب بأكمله كعينات في حقل للتجارب.
نشد على يدك أيها الأخ الرئيس ونتمنى عليك أن تكون هذه المرحلة هي نهاية عهدنا بحقل التجارب الذي بشرتنا بوضع نهايته، كما نتمنى أن تكون لنا في اليمن استراتيجيتنا ورؤيتنا المحددة لما نريد وكيف الوصول إليه، فمن لا يمتلك الرؤية والقضية لا يحرز نجاحاً من كتابة القصيدة حتى بناء الدولة.
شيء من الشعر
لصوت المغني
بأسوأ ما مرّ من بين ذقن وشارب
لذعر عبادة عظم الموائد
وغدر التسلل نحو وسام المحارب
لمن يلعبون معاً
يانصيب المناصب
أرادوك حقل تجارب
1984م من ديوان (قراءات في كهف أفلاطون).
في الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:27:50 ص