السلبي والإيجابي
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
 لكل شيء إيجابيات وسلبيات، فعندما نتحدث الآن عن النزعة العلمية المعرفية البرهانية فإننا نتحدث عن نتاج للفلسفة الأوروبية التي بدأت في القرن الثالث عشر ضمن إطار فك الاشتباك غير الحميد بين الكنيسة في القرون الوسطى وبين الآداب الإنسانية التي سبقت هذه الكنيسة. 
 الثورة المعرفية التي قدمتها الكنيسة يومها والتي قادها أمثال توما الأكويني، اسبينوزا.. هذه الثورة المعرفية كانت تعني فيما تعني الانخلاع عن اللاهوت الكنسي الذي قيّد مساحة التفكير والعقل، وتعني أيضاً إخراج العلم اللاهوتي من عنق الزجاجة إلى فضاء الرحابة الإنسانية، تفاعلاً مع الإسلام وآدابه ورؤاه الكلامية والفلسفية، وأيضاً مع الأغارقة. ومن يومها نشأت تباشير الحلحلة الأُولى للخصومة بين العلم والدين ، إلى أن جاءت لحظة الفكر العقلي البرهاني الذي استبعد الميتافيزيقا استبعاداً إجرائياً وليس إلحادياً كما يتوهم الكثيرون. هذا الاستبعاد الإجرائي كان يعني ببساطة شديدة الاهتمام بالشأن الدنيوي بذاته، التأمل في الطبيعة وقراءة الظواهر وقوانين الوجود الموضوعية بذاتها. تبعاً لذلك كان هذا التقدم المعرفي العلمي البرهاني هائلاً، وخبت الميتافيزيقا وأصبحت روحانيات فلكلورية. اليوم وصلوا في أوروبا وفي هذا العالم العلمي الكبير إلى منطقة متقدمة في البرهان والعقل بمقابل افتقاد الروحانيات، فالإنسان ليس كائناً فيزيائياً «ابيقورياً» يعيش اللحظة فحسب، بل إن لديه حاجات تتجاوز الضرورات المادية الصرفة. العواطف ليست مادية.. كذلك المشاعر والحالة الوجدانية، ومفهوم السعادة ، والعلاقات الحميمية.. كل هذه الأمور تدخل في البُعد الآخر للقيم الإنسانية. 
هنا مأزق الفكر المادي البرهاني الرياضي الجبري، فمن جراء الاستبعاد الإجرائي للميتافيزيقا وصلوا إلى مجافاة الروح. بالمقابل نحن أمعنا في إلغاء العقل، فمنذ رفض «الاعتزال الكلامي» ، وإلى يومنا هذا ونحن نمعن حتى في التعدي على الغيب ونزعم وندعي أن هناك من هو قائم على أمر الغيب ومن يحل محل الحق، ومن يفتي نيابة عن القرآن، ومن يقدم موازياً مفهومياً للنص الديني. هذه المشكلة نجدها عند البعض ، وسنكتشف في نهاية المطاف أن هناك مؤسسة دنيوية استبدادية، مُقيمة في مرابع التاريخ البائد، وفي تلك الشروط التي استنفدت أغراضها وتستخدم الدين كما كان يستخدم في القرنين الثاني والثالث عشر في أوروبا. 
فإذاً لسنا هنا أمام دين بالمعنى الروحي المجرد للكلمة وإنما نحن أمام مؤسسة دينية، وأمام مؤسسة دينية مرتبطة بمؤسسة سياسية مقيمة في مرابع الاستبداد.. 
Omaraziz105@gmail.com 


في الأحد 21 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:30:39 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2209