|
السيرة الذاتية للمفكر الروماني الراحل «بيتري تسوتسيا» نموذج صاعق لما يمكن أن يفعله الطغيان الأعمى من تدمير منهجي للقِيم والعقول والتاريخ، وكيف يمكن مصادرة طاقة فكرية وطنية هائلة بمجرد وشاية رخيصة، كتلك التي كانت وراء اعتقاله المُبكر في عام 1948م، وتحديداً بعد استيلاء الحزب الشيوعي الروماني على السلطة يومئذ.
في تلك الأثناء كانت جمهورية georghiu dej georghe تمثل الشرعية، وكان بيتري تسوتسيا رافضاً لمنازعة الشرعية بالاستغلال الميكيافيللي للمتغيرات السياسية الدراماتيكية بعيد الحرب العالمية الثانية.
حُكم عليه لاحقاً بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة.. ثم يتم تمديد السجن لمدة 18 عاماً، قضى منها 13 سنة إجمالية في المعتقل الرهيب، ليخرج بعد ذلك من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، ويظل مراقباً من قبل العسس المُكلفين بمتابعة أنفاسه وتحركاته.. ممنوعاً من الكتابة والظهور، بل ومراقب في خواطره الكتابية التأملية، فقد اعتدى جنود الأمن على نصوص مخطوطاته الثمينة التي لو كانت باقية إلى اليوم لعرف الناس عن كثب مثابة هذا المفكر الشجاع فريد المثال.
مشكلة المفكر بيتري تكمن في أنه كان يدافع عن الشرعية الدنيوية، والشريعة الأرثوذوكسية في بُعدها النقائي الطهراني. كان مُعتداً بالليبرالية السياسية، بوصفها الحد الأعلى للتقطير السياسي القابل بتعدد الأدوار والأطوار، وكان يرفض الديمقراطيات المغلفة بأوراق السلوفان الكاذبة المتوحشة، بقدر رفضه للشمول السياسي.
من موقع العليم بالاقتصاد والفلسفة والدين والفكر بعامة، كان يضع النقاط على الحروف، مُنصفاً حتى من تسببوا في تعذيبه النفسي والجسدي عشرات السنين، وبهذه المناسبة، وبالرغم من معاناته المديدة في سجون تشاوشسكو، إلا أنه رفض الأُسلوب الانقلابي ضد نظامه، معتبراً ما حدث انقلاب دولة، ومحاكمة الرئيس تشاوشسكو محاكمة مجرمة.
كان من الشجاعة إلى درجة أنه ظل متحدثاً عن الشرعية الدستورية حتى آخر لحظة في حياته، ففي مستشفى رحيله الأبدي وقد ناهز التسعين من عمره « من مواليد 6 أكتوبر 1902.. توفي في 3 ديسمبر 1991م» .. في تلك اللحظة سأله أحد الصحفيين من أصل مجموعة من الصحفيين الذين كانوا يتحلقون حول سرير عجزه الفيزيائي الكبير، الذي اقترن حتى تلك اللحظة السابقة على وفاته باتِّقاد ذهني، وحصافة في التعبير الرمزي الكاشف. سأله الصحفي : ماذا يعني أن يكون الرجل يمينياً؟، فأجاب بيتري على الفور : روماني مُطْلق.. هذا هو المعنى.
قَصَدَ.. المواطن مطلق الوطنية هو ذلك الديمقراطي الليبرالي الذي يحترم الخصم كما يحترم نفسه.
Omaraziz105@gmail.com
في الثلاثاء 23 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:45:32 ص