أنا من شمال الجنوب العربي
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي

قال لي صديق لبناني مسيحي الديانة إن أصول عائلته من اليمن، فصدقته ولم أحس أنه يجاملني، وفي زيارتي للمملكة المغربية تعرفت على أحد المغاربة البربر، وقال إن أصوله يمنية، بل إن هناك من تُطلق عليهم تسمية البربر اليمانيين، فصدقته ولم أحس أنه يجاملني ، خاصة بعد أن عرفت أن اللغة الأمهرية في اليمن تتقارب مع لغة البربر في المغرب بنسبة 50 % أو أكثر، وعندما كان يقول المرحوم الأستاذ محمود السعدني إن أصوله من اليمن كنا نصدقه، قبل أن يدلل على ذلك بمزاحه وخفة دمه المعهودة وهو يقول: انظروا إلى وجهي لتتأكدوا...
نعرف أن كثيراً من العرب ـ من محيط الوطن العربي إلى خليجه ـ لهم أصول يمنية، نتيجة للهجرات اليمنية القديمة التي لم تتوقف على شمال جزيرة العرب، بل امتدت إلى الشام والعراق ومصر والمغرب العربي، بل وإلى الأندلس، كما تحكي بعض الشواهد ومنها قلعة همدان، والشعر الحميني ـ الذي تتفرد به اليمن ـ شقيق شعر الموشحات الأندلسية، وهذا ما تعززه رؤية ونزعة اليمنيين الوحدوية منذ القدم، وأنهم جزء لا يتجزأ من محيطهم العربي الممتد من بلادهم حتى شمال جزيرة العرب بما فيها العراق والشام، ولهذا تمسكوا بتسمية اليمن ،أي الجنوب كون ما هو جنوبي يسمى يمن أو يمان وما هو شمالي يسمى شام أو شئام، ومن الشواهد على ذلك قول الشاعر عن نجمي الثريا وسهيل:
هي شامية إذا ما استهلت 
       وسهيل إذا استهل يماني
أي أن نجمة الثريا تقع في شمال سماء الجزيرة وسهيل في جنوبها «شام ويمن» كما أننا في اليمن إلى ما قبل ثورة 1962م كنا نطلق على محافظة صعدة لواء الشام، أي شمال اليمن، ومن هذا المعنى سُمي أكبر أبواب سور مدينة صنعاء بباب اليمن، أي الباب الجنوبي، ومن الشواهد على ذلك أيضاً وعلى نزعة أبناء اليمن الوحدوية أن الحضارة التي قامت في بلاد اليمن «معين ـ سبأ ـ حمير ـ قتبان» قد سميت في المراجع التاريخية بحضارة الجنوب، أي جنوب الجزيرة العربية، وسعد اليمانيون بهذه التسمية المجسدة لنزعتهم الوحدوية وأنهم جزء من وطنهم الكبير، ولا ينظرون إلى بلدهم إلا على أنه جنوب الوطن أو البلد الذي يحوي مهد العروبة «جزيرة العرب».. من هذه المقدمة الطويلة ـ والمقدمة الطويلة، قد تصرف المستمع والقارئ، لشعوره بالملل ـ أخلص إلى القول: لا داعي لكل هذا الانزعاج والقلق الذي يقلب كيانك، والانزعاج الذي يفقدك اتزانك يا من لا تطيق سماع عبارات مثل«ثورة ثورة ياجنوب» « وجيش الاحتلال اليمني للجنوب» و« فك ارتباط الجنوب عن الشمال» و « الشمال الشقيق».. إلخ 
لا داعي لكل هذا القلق ،لأنّا إذا ما أخذنا بالمفهوم التاريخي الحضاري لكلمة( جنوب) فهي تعني اليمن ـ كما أسلفناـ أي جنوب الجزيرة العربية، وإذا ما أخذناها بالمفهوم أو المعنى المحصور على اليمن جغرافياً وسياسياً، فهي جغرافياً تعني جنوب اليمن وتعني سياسياً الجزء الذي اقتطعه ما سمي بالخطين التركي والبريطاني، وأقاما عليه كيانين سياسيين في شمال اليمن وفي جنوبه وشرقه، وإذا ما كان إخواننا الداعون إلى أو الانسلاخ أو التحرر ـ حسب وصفهم ـ مصرين على «فك الارتباط» فسينسلخ ـ لا سمح الله ـ الكيان السياسي الذي كان قائماً في جنوب وشرق اليمن عن الكيان السياسي الذي كان في شماله ووسطه، وستظل كلمة اليمن تلازمنا عبر التاريخ حتى وإن اسموا الجزء المراد سلخه عن اليمن بدولة أو جمهورية الجنوب العربي،سيظل الشمال هو شمال الجنوب العربي وسأقول: أنا من شمال الجنوب العربي، كون اليمن بأكمله هو جنوب الجزيرة العربية أو الوطن العربي، وما دام الأمر كذلك فسيأتي أبناؤنا من بعدنا وهم المطهرون من رواسبنا وأمراضنا ـ وسيعيدون لوطنهم اليمن، جنوب الجزيرة وأرض حضارة الجنوب كيانه الواحد.. لا قلق.
شيء من الشعر
الهوى قُبلة وهذا ( سهيلُ)
و(الثريا) لعزفها شفتان
الهوى روضة بكف إلهٍ
وهما في ظلالها راهبانِ
إن تجلت قصيدة فهو شعر
زاهر في حروفها والمعاني
أو بدت ياسمينة فهو عطر
في شذاها فكيف ينفصلان؟

في الإثنين 29 ديسمبر-كانون الأول 2014 08:44:32 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2250