مآسي التسلط بالدين
كاتب/عبدالله الدهمشي
كاتب/عبدالله الدهمشي
تبدأ مآسي التوظيف السياسي للدين عندما تدعي جماعة من المجتمع المؤمن بهذا الدين تمثيله وشرعية تسلطها باسمه, وهو ادعاء يجد مبرره القوي في ضرورة إلزام الناس بما يؤمنون به من قيم وأحكام الدين, ومع ذلك فهذا المبرر لا يصمد أمام التساؤل عن حاجة المؤمنين طوعاً إلى قوة ملزمة وعن أي جماعة من بين المؤمنين تمتلك هذا الحق لإلزام الآخرين. 
بين المسلمين تكون هذه الحالة أقوى وأشد، لأن مبرر الزام الناس بما يؤمنون يتعزز بمزاعم شمولية الإسلام للدولة والمجتمع وتضمنه إطاراً مرجعياً للنظام العام والسلطة السياسية, ومع ذلك فإن التاريخ السياسي للمسلمين منذ صدر الإسلام وحتى اليوم قائم على الاختلاف والصراع اللذين ارتدا سلباً على الإسلام نفسه ليتفرق بين أتباعه شيعاً وأحزاباً متناحرة, وهذا التاريخ أيضاً متحرك في الزمن على تعدد أشكال السلطة وتبدل أنواع الحكم مع ثبات الإسلام على صورة واحدة. 
والمعطى التاريخي للعلاقة بين الإسلام والسلطة السياسية محمول على التساؤل حول أمرين في غاية الأهمية, هما: 
- الأول: الأحق بالحكم من بين جماعة المؤمنين بالإسلام, وهذا التساؤل تكمن أهميته في كونه الأساس التاريخي لتفرق المسلمين طوائف وشيعاً, متقاتلة ومتناحرة, وكذلك كونه مفتاح الخروج من أزمات التناحر الطائفي ومعضلة الاستبداد ومشكلات الانتقال الديمقراطي وغير ذلك من قضايا النظام السياسي المتصلة بالحرية وحقوق الإنسان. 
- الثاني: كيفية الحكم, فإذا كان التاريخ السياسي للمسلمين مدوناً على صراع الأحق بالحكم, فإن الكيفية تقتضي بنية للسلطة السياسية محددة الوظائف, وبهذا تخرج السلطة من أزمات التسلط الفردي والاستبداد المطلق, والتساؤل عن كيفية الحكم ينفتح على قضايا الشرعية ومصدرها, والمؤسسية ونظامها, والمشروعية وقانونها وآليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة وغيرها. 
وعموماً تبقى الدعوة السياسية في السلطة والحكم على أساس الدين وبمرجعيته غطاءً للتسلط والاستبداد حين تحتكر جماعة بعينها حق تمثيل الدين والوصاية به على جماعة المؤمنين, وذلك لا يفرض سلطان وتسلط فئة من المجتمع على كل المجتمع فحسب, بل ويشرعن للقمع وللإكراه فيما هو موضع الخلاف والاختلاف من أمر الحكم وشئون السلطة وخياراتها بين الداخل والخارج.
ربما يكون الاختلاف داخل الجماعة الدينية وبينها أبرز الحقائق الدافعة لها للفصل بين وحدة الدين وتعددية الآراء وتفاوت الفهم والاجتهاد, خصوصاً في ظل التطورات التاريخية التي فرضت تحولات جذرية في المفاهيم والمواقف التي اتخذتها الجماعات الدينية باسم الإسلام ثم رجعت إلى نقيضها بذات الاسم الذي لم تتبدل مرجعيته ولم تتغير مصادره في الفترة التي استدعته إلى اجتهاد قديم ثم رجعت عنه إلى اجتهاد نقيض. 

albadeel.c@gmail.com 

في الجمعة 09 يناير-كانون الثاني 2015 08:02:05 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2293