|
قديماً قال الشاعر العربي:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحُسن حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبّه النيروز في غسق الدُجي
أوائل ورد كنّ بالأمس نُوّما
يُفتّقها برد الندى فكأنه
يبثُّ حديثاً كان قبلُ مُكتّما
يتمنْطق الناظر إلى جمالية المشهد وسيطاً تقنياً يسمّونه «الكاميرا» غير أن هذا الوسيط «المُخاتل» يخدع العين البشرية؛ لأنه يتطلّع إلى المشهد بعين صناعية تستطيع الإحاطة بالمرئي لكنها لا تستطيع أن ترى بعين البصيرة التي أودعها الله الإنسان وجعلها خاصة من خصائص القدرة التي تعيد إنتاج المرئيات بعدسات المصانع وشبكيات التقنية.
له أن يتقمّص حال الوسيط، وأن يرى بعين الوسيط لا بعينيه؛ فإذا ما فعل ذلك حقاً يمكنه الانزياح باستخدام البصيرة وتطويع الآلة، فالشرط أن يبدأ بمعرفة الوسيط أولاً حتى يعرف ذاته، وأن يُحسن استخدام قابليات الأدنى حتى يدرك مغزى الأعلى.
أدرك التشكيلي الانطباعي الفرنسي منذ فترة مبكّرة من بدايات القرن التاسع عشر أن على الإنسان أن يرى أولاً بعين البصر لا بعين الإدراك، والفارق أن البصر يتداعى مع ألوان الحياة وأقواس قزح، فيما يقف الإدراك عند تخوم المعروف والمألوف، وهكذا نستعيد الآن تلك الرؤية ونقول إن على الرائي بعين آلته الفوتوغرافية أن يتقمّص حالها أولاً، وأن يعرف أسرارها تالياً، وأن يرى بإمكاناتها ثالثاً، وإذا ما فعل ذلك تنزاح أمامه الحُجُب؛ ويمكنه تطويع تلك الآلة لمرئياته المغروسة في عوالم البصيرة.
ليس مُهمّاً ماذا تُصوّر؛ بل كيف تُصوّر، ليس مهماً ما لون الهرّة كما قال الحكيم الصيني “دينغ تسياو بينغ” بل المهم أن تجيد تلك الهرّة اصطياد الفئران، والحال فإنه ليس مهمّاً ما نوع «الكاميرا» وقدراتها فقط، بل أيضاً من يستخدمها وكيف يستخدمها.
Omaraziz105@gmail.com
في السبت 10 يناير-كانون الثاني 2015 08:35:49 ص