النظام الفيدرالي ومراكز القوى
دكتور/د.عادل الشجاع
دكتور/د.عادل الشجاع
يقوم النظام الاتحادي بين مناطق يوجد بينهما اختلاف سواء في العرق أو الدين أو اللغة أو هناك حكّام متعدّدون؛ فيعمل النظام الاتحادي على توحيد هؤلاء تحت حاكم واحد يجعل الاتحاد قوة إضافية إلى الدولة، فحينما قامت الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية ـ على سبيل المثال ـ قامت بين مجموعة من المستعمرات التي خاضت حرباً دامية فيما بينها، سويسرا كانت عبارة عن عرقيات مختلفة تتحدّث أربع لغات هي الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية، فوحّدتهم الفيدرالية، الإمارات العربية المتحدة ـ على سبيل المثال ـ لم تكن فيها عرقيات ولا لغات مختلفة، لكنها كانت عبارة عن أسر حاكمة لإمارات منفصلة، فكانت الفيدرالية هي السبيل لتوحيد هذه الإمارات وهؤلاء الحكام. 
أما نحن في اليمن؛ فما الذي يجعلنا نذهب نحو الفيدرالية ونحن لسنا عرقيات ولا لغات مختلفة ولا أسراً تحكم إمارات منفصلة..؟!. 
نحتاج في اليمن إلى اللا مركزية أو ما يسمّى «سياسة الإدارة المحلية» بمعنى نعمل على توزيع الصلاحيات الإدارية على كل محافظة من المحافظات، وإعطاء المحافظين ومكاتب الوزارات الحرية في اتخاذ القرارات التي تخص المحافظة دون انتظار ذلك من الإدارة المركزية، أي أنه يمكّن كل مواطن من قضاء جميع مصالحه في محافظته ويمكن للمحافظ أو رئيس المؤسّسة في المحافظة اتخاذ ما يراه من إجراءات أو مشاريع تتطلّبها المحافظة دون الحاجة إلى الذهاب إلى العاصمة أو انتظار القرار المركزي، واللا مركزية تسمح بتوزيع هيئات الدولة على مختلف المدن بشرط أن يكون مجلس أعلى للتخطيط ومتابعة المشاريع ينبغي أن يشكّل من كل المحافظات بالتساوي وتكون مهمّته وضع الخطط المستقبلية بما يتناسب مع كل محافظة من المحافظات، هناك دول لا مركزية مثل إيطاليا وانجلترا وفرنسا وهي دول ناجحة، ولست بحاجة إلى القول إن المشكلة أو العيب ليس في نوع النظام بل في كيفية تطبيقه. 
الفيدرالية حينما تطبّق في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد فإنها تكون عامل تفكيك؛ لأن الفيدرالية تتناسب مع الدول المركّبة، وليست الدول البسيطة، كما أن الفيدرالية لا تناسب الدول ذات الدخل المحدود؛ لأنها تكلّف الميزانية مبالغ أكثر بكثير من حجم الدخل القومي للدولة. 
ولن أجافي الحقيقة إذا قلت إن الفيدرالية تحمل في طياتها إشكالية خطيرة لأي؛ دولة؛ خاصة حينما لا توجد في هذه الدولة عرقيات ولا ولايات قائمة بحكّام مستقلّين بولاياتهم، يتمثّل الخلاف في من يكون على رأس السلطة في هذا الإقليم أو ذاك، وفي كيفية توزيع الموارد والثروات الطبيعية بين السُلطات المحلّية والسُلطة المركزية، هذه الإشكاليات بحد ذاتها قادرة على قيادة الدولة الاتحادية في اتجاه التفتيت والتقسيم، وخاصة حينما يتم إدارة الأقاليم بسوء نيّة وفي مواجهة خيار الوحدة مع باقي مكوّنات الدولة الاتحادية وخاصة من جانب السُلطات المحلية، ولن نذهب بعيداً فهناك عقود تصدير نفط كردستان العراق عبر تركيا مثال حي مباشر لما ذهبنا إليه. 
إن الفيدرالية في ظل مراكز القوى الموجودة سيمكّن مراكز القوى من إنشاء كياناتها ضمن بقعة جغرافية وموارد دخل مستقلّة وبرلمان خاص بالإقليم وحكومة مستقلّة يمكن لها تسيير أعمال الإقليم الداخلية وبعض الشؤون الخارجية، إضافة إلى الشرطة والأمن الذي ربما يتحوّلان إلى جيش خاص في بعض الحالات كما هو الحال مع «البشمرجة» في كردستان العراق؛ والأمر يتعلّق بعدم قدرة الحكومة المركزية على فرض نفوذها، ونحن نعلم مدى قدرة الحكومة المركزية على فرض نفوذها في الوقت الراهن، فما بالك حينما تصبح الأقاليم مستقلة..؟!. 
إضافة إلى ما سبق فإن المجموعات البشرية ستدخل صراعاً فيما بينها، فمن سيكون رئيس إقليم «الجند» من تعز أم من إب، ورئيس إقليم «سبأ» من البيضاء أم من مأرب أو الجوف، و«عدن» هل سيكون من عدن أم أبين أم الضالع أو لحج..؟!، فربما يبدأ الصراع المناطقي على أشدّه، وفي الانتخابات البرلمانية كذلك من ستكون على الجغرافية أم على الكثافة السكانية..؟!. 
 بعض الولايات الصغيرة ستبقى تشعر أنها أقلّيات في هذه الكيانات الجديدة، وستعاني هذه الكيانات مشاكل قانونية وصراعات حدودية، وقد تلجأ إلى الخارج لطلب الحماية والحفاظ على وجودها. 
لنتوقّف أمام الفيدرالية العراقية التي وُلدت دولة مفكّكة غير قادرة على تأهيل أية خدمات رفاه اقتصادي للمواطن العراقي، هناك عيوب كثيرة للنظام الفيدرالي وخاصة في الدول ذات الدخل المحدود. 



في السبت 10 يناير-كانون الثاني 2015 08:37:18 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2297