ثورة الشباب.. هل سقطت في 18مارس..؟
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
 

يرى البعض أن التنبؤ المسبق بما سيستجد لم ينحصر على سيد الشعراء أحمد بن الحسن «أبو الطيب المتنبي» الذي استمد هذا اللقب من تنبؤاته، بل إن كثيراً من الشعراء-بحكم ما يتمتعون به من إحساس وشفافية ورهافة في الوجدان ـ يتمكنون وهم يقرأون واقعهم ويستحضرون عِبَر الماضي، من رؤية المستقبل والتنبؤ بمستجداته ـ وهناك من الشواهد ما يدل على أن هذه الميزة أو المقدرة لا تنحصر على الشعراء وحدهم، بل يشاركهم إياها بعض المبدعين الذين يمسكون بالأقلام،متسلحين بالتجرد والمصداقية لاستنباط واستقراء وقائع وأحداث استحقت اهتماماتهم وتحليلاتهم وقراءاتهم، سياسية كانت أم اجتماعية.. كما يفعل المتميزون من مسئولي الدراسات والبحوث، ومحللين، وصحافيين..

وإذا ما كنا قد وعدنا القراء الكرام - في الأسبوع الماضي ـ بوقفة أمام تحليل سياسي ،تناول الشأن اليمني في أكتوبر 2011م للسيدة ساندرا ايفانس «ناشطة ألمانية وأستاذة جامعية، ورئيسة المركز العربي الألماني للدراسات الاستراتيجية» فإن وقفتنا هذه أمام ذلكم التحليل المعنون «اليمنيون يحفرون قبورهم».. هي بمثابة الاستدلال بشاهد على ما أشرنا إليه من أن الشعراء لا يحتكرون قراءة المستقبل والتنبؤ بمخرجات الأحداث، فهناك من الباحثين والكتّاب من يفعل ذلك.

الألمانية ساندرا في ما كتبته عن الشأن اليمني بعد مرور تسعة أشهر على ما أسمتها بثورة 3 فبراير 2011م تنبأت بأمور تندرج ضمن أهم ما أفرزته تلك الأحداث ويشهده الواقع المعاش في اليمن.. وقد جاءت تلك التنبؤات من قراءتها التحليلية للمشهد اليمني حينذاك، والتي نقتطف منها ما يلي:

لقد جزمت الباحثة الألمانية بفشل ما سمي بثورة الشباب منذ سيطر عليها الإسلاميون قائلة: لقد أرادوا استنساخ الثورة المصرية، إلا أنهم أغفلوا أن المصريين أطاحوا بمبارك دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.. وهذا ما يكشف هوية القوى السياسية التقليدية «الإسلاميون والقبائل».. مشيرة إلى إقدام هذه القوى على تكرار أساليبها مع زعماء اليمن السابقين.. من انقلابات واغتيالات.. وقالت «خلافاً لثورة الشباب المصرية التي لم يُعرف لها وجوه زعامية، فإن ثورة شباب اليمن تحولت بسرعة إلى لوحة دعائية للزعامات القبلية والحزبية والدينية والعسكرية التي تكاد تكون مستهلكة إلى أبعد الحدود».

وذكرت الباحثة الألمانية ساندرا، أسماء بعض تلك الرموز كحميد الأحمر وعلي محسن الأحمر، وعبدالمجيد الزنداني، مشيرة إلى مثالب كل منهم ،وكيف يمكن لهؤلاء أن يقودوا الشباب إلى الدولة المدنية؟!!

منوهة إلى أن مجزرة يوم الـ 18 من مارس، بدلاً من أن تكون قدراً إلهياً للشباب لنصرة ثورتهم، فقد تحول ذلك اليوم إلى يوم إعلان موت الثورة، فقد تمكن القائد العسكري المنشق علي محسن الأحمرـ يعد يومين، من تطويق الساحة بقواته المنشقة والإسلاميين وتحويلها إلى ساحات انشغال وترحيب بالمنشقين الذين كانت الباحثة قاسية عليهم عندما وصفتهم بقمامة عهد صالح، الذي تساهل إزاء انشقاق علي محسن ومن تبعه من المنسحبين وقالت بالنص« إن صالح رمى بقمامة نظامه إلى الشارع فتلقفتها المعارضة دونما تفكير بأنها ستُدنِس الثورة وتزجها في مأزق حرج، لهذا كانت الصحافية «ما راك .ج» على حق عندما قالت إن صالح لا يكسب مواجهاته مع معارضيه دائماً بدهائه، بل بغبائهم أيضاً».

وتختتم الباحثة الألمانية تحليلها بقولها: تتمالكني دهشة عظيمة وأنا أسمع فضائيات العالم تتحدث عن ثورة في اليمن يقودها زعيم قبلي يدعى حميد الأحمر تصل ثروته إلى 94 مليار دولار في بلد إجمالي ميزانية الدولة ستة مليارات فقط، وبجانبه قائد عسكر ـ علي محسن الأحمر ـ يقر المحتجون أنفسهم أنه(......) وأكبر رموز النظام الفاسدة ويتاجر بالمجاهدين،وثالثهم زعيم ديني متطرف ـ عبد المجيد الزنداني ـ متهم بصناعة الإرهاب، وتتعاظم دهشتي عندما أسمع بعض اليمنيين يسمونها (ثورة شباب) ويصرون أن هذه الرموز هي من سيقودهم إلى الدولة المدنية، وليس إلى حفر قبورهم».

بهذا تختتم تحليلها معلنة وفاة ثورة الشباب وتقول بالنص « إن ثورة الشباب في اليمن انتهت عشية دخول قوات فرقة الجيش المنشقة وفصائل القبائل والإسلاميين المسلحة إلى ساحة الاحتجاجات» ثم تخلص إلى واحدة من تنبؤاتها التي صدقت وتقول «لذلك فإن من المتوقع جداً أن تتجه القوى الثورية الشبابية في اليمن إلى التفكير بتفجير ثورة تصحيحية ضد التمرد المعارض والنظام الحاكم في آن واحد، إلا أن ذلك لن يكون سهلاً، فالإسلاميون لن يسمحوا بإضاعة فرصة الحكم التاريخية من أيديهم مهما كلفهم الأمر من إراقة للدماء» انتهى

هنا نتساءل : هل ثورة 21 سبتمبر 2014 هي الثورة التي توقعت الباحثة من داخل ثورة فبراير 2011 التي أُجهضت أو أُفرغت بعد الاستيلاء عليها، وهل الدماء التي تنزف بغزارة جراء التفجيرات والتقطعات والاغتيالات هي الدماء الغزيرة التي تنبأت بها الباحثة الألمانية، أم أن هناك دماء قادمة ستُلون المشهد اليمني؟.

شيء من الشعر

ويل لمن شبعوا من جوعنا وبغوا

لهواً بما سلبوا من كد مسعانا

وأيقظوا عنوة ملعونة زرعت

كُرها، وبغضاً، وأحقاداً، وأضغاناً

وخاب من عكفوا في محفل قذر

يشكلون جواسيس، وكهانا

                                                                                   صنعاء 2014


في الإثنين 12 يناير-كانون الثاني 2015 01:15:43 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2307