العلاج بالكي
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
 قبل موت “مريوم” الفيزيائي القادم؛ كانت على يقين داخلي أنها في حالة سفر نحوه، وكانت في انتظار ذلك الموت الجميل، والرحيل السعيد من مشاق الفانية الناتئة القاهرة، وكانت عذابات الجدري خارطة الطريق السالك نحو درب الرحيل الموقوت، لكن أهل الحارة ما كان لهم أن يتركوها لمخطّطها الذهني الناعم، فقد قرّروا فجأة معالجتها من داء الجنون قبل داء الجدري، فتشاوروا وتسامروا باحثين عن أنجع علاج لها، وكانت الفكرة الأولى في مداواتها خارجة من تضاعيف كتاب “تسهيل المنافع” وكانت الوصفة السحرية عبارة عن دماغ فرس أبيض مخلوط بالعسل الجبلي الأسود؛ لكن الوصفة لم تُمكِّن مريوم من التخلُّص من داء الجنون، فكان عليهم استشارة كبير عطاري الحارة الذي قال بكلمة لا يرقى إليها الشك: «آخر العلاج الكي». 
عندها شرعوا في التحضير ليوم الحرق المشهود، يوم أن يتم تقييد مريوم وطرحها أرضاً كدابة تتم تهيئتها إلى الذبح، ثم يُباشر المُعالِج بالكي طقوسه المرعبة التي لابد أن تتم على مرأى ومسمع من المريض المُقيَّد، لأن خوفه ورعبه الكبيرين عاملان حاسمان في علاجه بالكي..!!. 
هكذا قال الطبيب المداوي: «إن لم نُرعب المريض الذي سيكتوي بالنيران الحامية؛ فسوف لن ننال من المرض». 
يبدأ التحضير الفعلي للطقس التراجيدي منذ منتصف الليل؛ هكذا يتوفَّر الوقت الكامل لوضع الحطب على الأرض بشكل مثلث، ثم يتم إشعاله بالترافق مع قرع الطبول والهمهمات الغامضة، وعند الفجر يصل الجلاد المُعالِج وقد حمل في يديه قضيبين من حديد، يؤشّر بهما تجاه المريض المرعوب القابع في ركن قريب من المشهد، ثم يضع القضيبين في النار الحامية ليتفنَّن لاحقاً في إبرازهما وقد احمرَّا إلى حد الاحمرار المُشِعْ، ثم يستعرضهما أمام الحضور المُتطلّع إلى الواقعة، مع إيماءات خاصة للمريض المُنتظر لساعة حرقه وشوائه؛ ساعة «الفوبيا السيكوباتية» عندما يلتصق القضيبان الناريان بجمجمة الرأس، ثم تتلوها رائحة شواء حقيقي لأماكن محدّدة في رأس مريوم المغلوبة على أمرها، والمتروكة نهباً للسعير. 
Omaraziz105@gmail.com 

في الجمعة 16 يناير-كانون الثاني 2015 10:21:03 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2323