|
حلت مرام محل مريوم. كانت فتاة في الثلاثين من عمرها البيولوجي.. رهيفة القد .. رشيقة الجسد.. تتموْضع في حضرة الجمال والدلال.. مُسيجة بالخصال والكمال.. فريدة جنسها.. وحيدة رشاقتها .. تتكسَّر في سيرها، وتنثال عطراً في مسيرها.. خضراء اللون.. سيدة عوالمها الشفيفة.. تحمل وجهاً هيليني النَّسق.. روماني الطلعة.. خليجي الأرومة.. عيناها عيني مها الصحراء، بأنف أقني عربي المزاج، وحواجب مرسومة بقوة الطبيعة وأدواتها التعبيرية العصيًّة على الفهم، وشفاه تشع بعذوبة الماء الزلال.. صوتها يرن برفارف الأنغام، وصمتها أعمق من الكلام.. مُقيمة في معانيها .. ناظرة لما يعنيها .. بعيدة عن عوابر الأيام.
عندما رآها المؤلف الافتراضي لهذه السردية.. الحلاج البوَّاح، أدرك على الفور والساعة أنه بصدد أُنثى المعاني السامية.. القادرة على عقد مصالحة وجدانية بين العاطفة المقرونة بالحرمان، والحب الغائب في تفاصيل الأيام، والمنطق البراغماتي الذاهب بالحب إلى مصائره المحتومة.
كان يتتبع خطاها ويزداد إعجاباً بها، ويتنامى في أحلامه الغسقية، ويراها ماثلة أمامه في كل لحظة صفاء.. كانت تطارد أيامه ولياليه، كما لو أنها صورة قادمة من المرايا المتعاكسة دون ما حد وحدود.. ترافقه في مساءاته الملتهبة بالحنين، وساعات صفوه المقرونة بالتَّحلِيَة والتَّخليِة، ولسان حاله يكرر:
عليك يانفس بالتَّسلِّي* العِزُّ في الزُّهد والتَّخلِّي
وعند لحظات وارداته العابرة كالسحب المسافرة، تتمرأى أمام عيني قلبه في أبهى حلة.. تُدوْزن مزاجه الباهر بأحلى جُملة وجودية.. فيهيم في ملكوت صفائها، ويتحرَّق شوقاً لمعانقة استحالاتها، ويتقلَّب في جمرات نيرانها، ويسعد بأنسام لفتاتها، ويرتفع مع أمواج تقلُّباتها، وينخفض مع سويعات عتابها الصامت، فتميد الأرض من تحت أقدامه، فيهيم على وجهه في البراري والقفار، ولا يجد له ملاذاً من حصارها المكين، فقد امتلأ الفضاء بأريجها، وانسابت قطرات الماء بعطرها الفوَّاح، وتموضع وجهها في مرايا الماء والسماء، وأصبح طيفها النوراني قرين دهره المجبول برؤيتها في السر والعلن، حتى فاض به المقال، وانتشى منشداً بلسان الحال:
يا ويح روحي من روحي فوا أسفي
عليَّ مِني فإني أصل بلوائي
كأنني غَرِقٌ تبدوا أنامله
تغوُّثاً وهو في بحر من الماء
Omaraziz105@gmail.com
في السبت 24 يناير-كانون الثاني 2015 12:01:24 م