في حضرة السلطان الأكبر
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
وقف السارد البوَّاح عند عتبات بهائها فمادت به الأرض، وتمرغ في مسارات قدميها، فمضت غير مُعوِّلة عليه، وانهار أمام قامتها الرُّدينية فلم ترفعه، وتمايل مع تهاديات خيزرانها الأهيف فلم تره.. قال لها أعجب كلام غير منطوق، فتمادت في صمتها الصامت. لكنه وبقدر الحنين العابر للسنين لم يتمكن من البُعد عن طيفها، ولم يسعفه الصمت الصامت، فراح يردد في جوانيات فؤاده:
والله ما طلعت شمس و لا غربت 
 إلا و حبك مقرون بأنفاسي 
ولا جلست إلى قوم أُحدِّثهم 
 إلا وأنت حديثي بين جُلاسي 
ولا ذكرتك محزوناً ولا فرحاً 
 إلا وأنت بقلبي بين وسواسي 
ولا هممت بشرب الماء من عطش 
 إلا رأيت خيالاً منك في الكاسِ 
ولو قدرت على الإتيان جئتكمُ 
 سعياً على الوجه أو مشياً على الراسِ 
في تلك اللحظة بالذات قررت السفر إلى اللا مكان، وكان خيارها البحر والانطلاق نحو عوالمه العامرة بالجزر المغموسة في تضاريس الصمت، والكائنات المتماوجة مع توالي الأيام، والتداعيات المكشوفة على الفطرة . 
تلك الرحلة الافتراضية صوب جزر اللا مكان كانت ميزان الشوكة الضابط لوجداناتها المشتعلة بالحنين، ووسيلتها للهروب إلى مرابع أنفاسها المتأبِّية على التجسيم.. المقيمة في التجريد، فبدت إقامتها الجبرية في مرابع زمانها الجديد كما لو أنها إقلاق مُتعمَّد لفضاء تموضعها الراسخ في ميتافيزيقا المعاني، فكان عليها أن تُناجز غواية الرجل المرئي بجسمه ولحمه، والمسموع بصوته ولحنه، والفائض بروحه وهيامه الهائم في ملكوت جمالها الأخاذ. 
رحلتها الافتراضية صوب الجزر البعيدة كانت قرينة التخطِّي الثابت للمألوف والمعروف، والتنقل الدائم من مقام لمقام، ومن حال لحال، فانسابت المعاني في جوانح قلبها المرهق بالعشق، وسالت الانثيالات النورانية في عوالم ترحالها البديع، فتجاوزت الجسوم والرسوم، وتهادت في عوالم الجنون والفنون، فبدت أمامها النتوءات والتلال والجبال، سديماً من ماء زلال، وازدادت عطشاً، حتى فاض عاشقها بلسان الحال: 
نفحات الريح قولي للرشا 
 لم يزدني الوِرد إلا عطشا 
لي حبيب حبه وسط الحشا  
 إن يشا يمشي على خدي مشى 
روحه روحي وروحي روحه 
 إن يشا شئتُ وإن شئتُ يشا 
كان هذا القدر من التروْحن الذاتي كفيلاً بخلعها من حالة التناسخ الروحي مع ذلك الذي تراه ولا تراه .. ذلك الذي قضَّ مضاجع ليلها، وأرهق نهارات صفائها، ووضعها في حضرة السلطان الأكبر والكبريت الأحمر .. سلطان الحب الطاغي الذي يسري في الجسد سريان الماء في روافد انسياباته المتعرجة. 

Omaraziz105@gmail.com 


في الأحد 25 يناير-كانون الثاني 2015 06:52:06 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2354