|
سعدت بهروبها الافتراضي صوب جزيرة مكانها المُطلْسم بالغياب، لكنه ظهر أمامها فجأة، منبثقاً من وراء التلال الذهبية، سائراً بمشية العقرب الأكروباتية، يمشي بيديه ويرفع رجليه إلى أعلى، فلم تتعرَّف عليه لأول وهلة؛ غير أنه كلما اقترب ازداد وضوحاً، فبدا فيزياء جسده المُضْنى بالرقّة، فاستقام على رجليه دون أن ينبس بكلمة.
قالت له: ماذا أتى بك إلى حيث لا مكان لك..؟!.
ردّ عليها بصمت.
قالت له: لمَ السير على يديك بدلاً من رجليك..؟!
فردّ عليها بحركة، وقف على رأسه بدلاً من يديه.
قالت له: كفى.
استقام وقد احمرّت عيناه واغرورقتا بالدموع، ثم أجهش بالبكاء المتقاطع مع كلماته المبحوحة:.....
ما إن أكمل المقال حتى باشرته بالسؤال: من أين جئت، وإلى أين أنت ذاهب..؟!.
لم يجبها كما تمنَّت، بل أشار بالبنان إلى التلال والرُّبى البعيدة وكأنه يقول لها: جئت من هناك.
وباشرته مجدّداً: ولمَ السير على اليدين بدلاً من القدمين..؟!.
قال لها: لأني لا أحب المألوف والمعروف،
ثم دار أمامها دورتين، فتمايل جسده تتابعاً، وازداد دورانه صعوداً، حتى غاب في سديم الأثير، متحوّلاً إلى سحابة من بياض شفيف، ثم عاد مجدّداً ليكتسي لحماً وعظماً، ويصبح ظاهراً بهيئته وسحنته وألوان ملابسه المميّزة.
قالت له: لماذا فعلت ذلك..؟!.
أجابها: حتى أعرف حقيقتي، وأُعانق طريقتي، وأفهم المغزى من هويّتي، وأرى العوالم بعين بصيرتي، وأتحقّق من جموع اشتياقاتي في ذاتيَّة وحدتي، وأمسك بالخيط الرقيق الفاصل بين ديني وسجيّتي، وأعتبر من مقاصد شريعتي، فلا فرق إلا وله مقام معلوم في الجمع، ولا جمع إلا ويتحقّق في التنوّع، ولا جوهر خارج العرض، ولا عابر دون ضرورة، ولا ضرورة دون صُدفة، ولا صُدفة تأتي من فراغ، ولا فراغ دون امتلاء.
قالت له: وكيف تصل إلى هذه المثابة..؟!.
قال لها: بالدوران والطيران..!!.
فاندهشت وقد انعقد لسانها، فيما قام برمي منديله الأخضر في الهواء، وأمسك بطرفه، طار معه واختفى بين السحاب..!!.
Omaraziz105@gmail.com
في الإثنين 26 يناير-كانون الثاني 2015 09:11:58 ص