إلى هنا وكفى
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي

من لم يتعظ ويعتبر ويستفد من تجارب مررنا بها ومشكلات عايشناها ومغبّات وقعنا فيها خلال عقود مضت، فإن أقل ما يُوصف به هو أنه مشكوك في عقليته وسلامة شخصيته.
جرّبنا فرض واحدية الرؤية؛ فوجدنا أنها عامل ضعف لا قوّة، جرّبنا دمامة الكذب على بعضنا، فإذا بحبله أقصر مما تصوّر أصحابه، جرّبنا مساوئ التحايل والتذاكي والاستخفاف والمماطلة في تعاملنا مع بعضنا، فإذا بها معاول هدم فوق الرؤوس، جرّبنا حماقة عدم القبول بالآخر؛ فإذا به الغباء الممزوج بالتهوّر، وجرّبنا ركوب موجات تضليل العوام والمزايدات المختلفة؛ فإذا به الغرق في الهاوية، وجرّبنا الركوب على فرسين؛ فصدق المثل المُحذّر من ذلك الركوب.
وبعد أن أيقنت الغالبية العظمى من سواد شعبنا عدم جدوى تلك التوجُّهات والأساليب من قبل السُلطة والمعارضة، الحكومة والقيادات الحزبية على حدٍّ سواء، وأنها ما قذف بالعباد والبلاد معاً إلى أتون هذه المأساة التي نتجرّع اليوم مخاوفها ومرارتها؛ صار علينا أن نقنع من تمنعه إصابته المرضية بفيروس شهوتي المال والسُلطة أو بالارتهان إلى الخارج أو بعقدة من عقد النقص، أو بإحدى الرواسب الاجتماعية السيّئة أو بها مجتمعة، وغيرهم ممن لا نؤمّل في صلاحهم أو شفائهم، بل في تسليمهم بالأمر الواقع وإدراك مخاطر تحدق بالجميع؛ صار علينا أن ندعوهم إلى إنقاذ أنفسهم أولاً كونهم من سيكون الوجبة الأولى لنار لا تشبع، ولهذا لا نهمسُ في آذانهم بل نصرخ بالقول: إلى هنا وكفى.
بفم السواد الأعظم من المواطنين الصالحين ـ المطهّرة قلوبهم النظيفة أياديهم ـ نقول إلى هنا وكفى، كفى تذاكياً وتحايلاً ومراوغة، وكذباً، فحالنا اليوم يحتّم مؤكداً ترك آيات المنافق الثلاث, وكل ما يكمن وراء ما تسيل اليوم من دماء وتُزهق من أرواح وتُسلب من حقوق وتُستباح من أعراض وما يسود البلاد من خوف وجوع ونقص في كل شيء.
إن سنوات متعاقبة من الصعاب والمحن قد مكّنت شعبنا من معرفة عدوّه ممن هو يريد له الخير، وجعلت عينه تكشف ما تحت كل قناع وحجاب، وشبّت في إرادته عزيمة امتلاك قراره والإجهاز على مُحبطات مسيرته ومستقبل أجياله.
إن ما آلت إليه الحوارات والاتفاقات، والمخرجات، والمبادرات وغيرها مما خرج من نطاق ونهج وجدّية العمل السياسي وصدق عليها مصطلح «اللعبة السياسية» لتحتّم القول: «إلى هنا وكفى».
أعرف أني هنا لا أتوجّه بالقول إلى «حليم تكفيه الإشارة» ولكني أتوجّه بالحديث إلى مدرك لمصالحه ورغباته غير الملهمة، وأن خيره اليوم يكمن في أن يقول لنفسه ومن على شاكلته: «إلى هنا وكفى» وقبل أن نتركهم لمعرفة أنفسهم ـ لأنهم أعجز من ذلك ـ نتركهم لمجاهدة أنفسهم لإقناعها أن إلى هنا وكفى..
قبل أن نتركهم؛ تجدر الإشارة أو لا تفوتنا الإشارة إلى أمر شبه مستجد في حياتنا، أو لم يدخل ضمن ألاعيب وممارسات السوء في العقود الماضية إلا من قبل نفر من الساسة المحاطين بالبُغض والرفض الشعبي بعد أن كُفّنوا في فشلهم الذميم، ألا وهو اللعب القذر بأحقر «ثلاث ورقات» هي «المذهبية، الطائفية، الجهوية» أولئك الذين احترت كيف أخاطبهم وأبصّرهم بجرم وحماقة وتهور فرض مصالحهم وحمايتها وتنفيذ املاءات خارجية بإقليم شافعي وإقليم زيدي وإقليم بدوي وآخر تهامي..... إلخ.
لقد احترت في كيف أخاطبهم إلى أن وقعت عيناي على جملة للأستاذ عبدالجبار سعد في مقالة بصحيفة «اليمن اليوم» عدد يوم 28 /1/ 2015م، فقرّرت الاكتفاء بها، تقول هذه الجملة: «الذين يُغرونا بالدخول في أتون معركة طائفية "زيدية وشافعية" تحت دعاوى المظلومية الخاصة أو العامة، هم أحط أنواع البشر وأجهلهم بالشرائع، وأبعدهم عن الإيمان وعن قيم وأخلاق الإنسانية والعروبة والإسلام، من أي فريق كانوا وإلى أي مذهب انتسبوا»
أكتفي بهذا لأكرّر القول: «إلى هنا وكفى» فعين الشعب ترقب الجميع ليوم حساب عادل.
شيءٌ من الشعر:
من شامخات ربوع الجنتين علت
                           يد تصفّد دجّالاً وشيطانا
رامت طهارتها من كل شائبة
                    ومن خبائثهم، أرضاً وأغصانا
وفاض من وجد أرقى الناس أفئدةً
                     حُبٌ، يمازج قحطاناً، وعدنانا
هم اليمانون من أضحت صنائعهم
                 نجوم هديٍ، وفوق المجد تيجانا





في الإثنين 02 فبراير-شباط 2015 07:09:51 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2386