|
الحديث المختصر عن التراث النقدي عند العرب، أقرب إلى الومضات الإشارية لموضوع شائك ومتشعّب، لكنها ومضات تختصر الطريق، وتُسهّل السير على درب المحاصرة الإدراكية والمعرفية للموضوع؛ ذلك أن التراث النقدي العربي اتصل حصراً باللغة بوصفها النقطة النووية في تقدير مدارج الكلام وتحوّلاته.
والمعروف أن «العربية» لغة تجمع بين الطاقة العالية في الاشتقاقات النابعة من الجذر الثلاثي، كما تتَّسع للمترادفات الواسعة، حتى إن علماء الألسنيات لاحظوا الثراء الكبير للمفردات القاموسية العربية التي لا تطالها لغات العالم المعروفة والأكثر انتشاراً اليوم.
كما كان الشعر العربي دالة الرؤية النقدية من حيث جوهرية المبْنى والمعنى في البيان الشعري، وهي جوهرية لا تتعلّق بالمناورات القاموسية في اختيار المفردات الدلالية والمفاهيمية فحسب، بل أيضاً المحايثة اللغوية التي عبّر عنها البوصيري بقوله:
فالدُّرُّ يزدادُ حُسناً وهو منتظمٌ
وليس ينقصُ قدراً غير مُنتظمِ
من هنا نلاحظ العلاقة بين سياقي المفردة والصرف والمجاورات الإيحائية الجمالية لمستويي المعنى والمبنى والانطلاقة الأُفقية الواسعة، تأسيساً على البيت الشعري واستتباعاته اللاحقة في الروي والقافية والتفعيلة، فيما يمكن تسميته بـ«علم الممازجة الجمالية» بين مستويات التوقيع المُموْسق بموازين الشعر العربي.
تالياً واستتباعاً لم يكن النثر الفني بعيداً عن المقاربات النقدية التاريخية، بل كان في الصلب منها، وكان القرآن الكريم المعيار الأسمى في التباديل والتوافيق الجمالية في لغة النثر، فيما امتشق كُتَّاب النثر الفني اللازمة السجعية وانفتاحاتها في الكتابة الجمالية المُدوْزنة باللغة وخوارزمياتها الصوتية.
من المعروف تاريخياً أن المصطلحات النقدية والفنية تتناسب طرداً مع التوصيفات والتصنيفات والتعريفات المتجدّدة للعلوم الإنسانية، وأن علم الجمال بوصفه الوعاء الحاضن للنقد الفني والظاهرة الجمالية بعامة؛ اقترن ظهوره بأوروبا التنوير في القرن الثامن عشر، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال غياب المفاهيم الجمالية في النقد التاريخي، وإن بَدَتْ بمسمّيات خاصة ومخصوصة، ينطبق الحال على الثقافة النقدية العربية، كما على بقية الثقافات النقدية في العالم.
Omaraziz105@gmail.com
في الأربعاء 04 فبراير-شباط 2015 08:53:13 ص