|
تتجه كل الانظار هذه الايام باتجاه الرياض، والعاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز لمعرفة خطواته المقبلة، وطبيعة تحالفاته الخليجية والاقليمية المتوقعة، بعد ان ثبت اركان عرشه، وكرس رجاله في المفاصل الهامة في الدولة من خلال اصدار 34 مرسوما دفعة واحدة.
الملك سلمان بن عبد العزيز قال خلال ترؤسه مجلس الوزراء للمرة الاولى بعد توليه العرش يوم (الاثنين) “ان بلاده مدركة مسوؤلياتها الجسام” و”لن تحيد عن السير في النهج نفسه الذي سنه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وسار عليه من بعده ابناؤه الملوك” ونقل الدكتور عادل الطريفي وزير الاعلام الجديد عن الملك السعودي قوله “ان توجهات وسياسات المملكة على الساحات العربية والاسلامية والدولية نهج متواصل ومستمر، واضاف “نحن عازمون على مواصلة العمل الجاد والدؤوب من اجل خدمة الاسلام وتحقيق الخير لشعبنا العربي النبيل ودعم القضايا العربية والاسلامية، والاسهام في ترسيخ الامن والسلم الدوليين والنمو الاقتصادي العالمي”.
كلام جميل، ولكنه مغرق في عموميته، ولا يمكن الخروج منه، بعد قراءته اكثر من مرة، بأي ملمح من ملامح السياسة الخارجية او الداخلية للعهد السعودي الجديد، فدعم القضايا العربية والاسلامية جملة فضفاضة، فأي من هذه القضايا التي سيدعمها العهد الجديد على سبيل المثال؟ فهل القضايا السورية والعراقية والفلسطينية والليبية والمصرية من بينها، وكيف سيكون هذا الدعم، وضمن اي محور في هذه القضايا مثلا؟
بمعنى آخر هل سيتم دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، مثلما كان عليه حال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز والاستمرار في سياسة اسقاط النظام السوري، ام سيتم الانسحاب من هذه السياسة بعد تغير الاولويات ووضع محاربة “الدولة الاسلامية” على قمتها، وهل سيتم دعم المقاومة الاسلامية في الارض الفلسطينية المحتلة، ام ستستمر القطيعة مع حركة “حماس″، وتوثيق العلاقة مع السلطة فاقدة الشعبية في المقابل؟ (الملك سلمان تولى رئاسة اللجنة السعودية لدعم الشعب الفلسطيني لاكثر من اربعة عقود واعتقد انه ما زال في المنصب)، وبالنسبة الى مصر هل سيواصل العاهل الجديد الدعم المفتوح والمطلق لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومواصلة الحرب على تنظيم الاخوان المسلمين في كل بقاع الارض، وليس في مصر وحدها، ام سيلجأ الى ترميم الجسور مع هذه الحركة؟ وماذا عن ايران “الشيعية” وتركيا “السنية” ومع اي من هاتين القوتين الاقليميتين العظميين سيتقارب العهد السعودي الجديد، وكيف، ووفق اي معايير؟ والاسئلة كثيرة في هذا المضمار، وتحتاج الى اجابات عاجلة، وربما بالسرعة نفسها التي تمت من خلالها عملية ترتيب البيت السعودي الداخلي.
***
وعندما نقول ان الانظار مركزة حاليا على الرياض، فان هذا التركيز مشروع ومبرر لاهمية هذه العاصمة وحاكمها، ودورها المؤثر في السياسات الاقليمية والدولية، ولم يكن غريبا ان هناك من يقف محللا ومتكهنا لكل خطوة وكل اشارة وكل تصريح.
توقف الكثيرون، على سبيل المثال، عند غياب الشيخين القويين في دولة الامارات العربية المتحدة اي محمد بن راشد (حاكم دبي) ومحمد بن زايد (ولي عهد ابوظبي) عن جنازة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مثلما توقفوا ايضا عند غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذهب البعض الى درجة القول بأن الحلف السعودي الاماراتي المصري الذي تبلور، وبلغ ذروة قوته في عهد الملك الراحل بدأ يتفكك، ان لم يكن قد انهار فعلا، ولعب الاعلام القطري، او المحسوب على الدوحة، على وجه الخصوص، دورا كبيرا في “فصفصة” هذه المسألة واستنتاج النتائج السابقة، اي ضعف او انهيار هذا التحالف الذي غير خريطة مجلس التعاون الخليجي الداخلية والخارجية معا.
نقطة اخرى جرى رصدها وهي تقديم الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المقربة من الاخوان المسلمين، ان لم تكن تابعة لها، واجبات العزاء للعاهل السعودي الجديد، فهناك من رأى في هذه الخطوة تغييرا في سياسة المملكة تجاه حركة الاخوان التي وصلت الى حد القطيعة الكاملة، وهناك من ذهب الى ما هو ابعد من ذلك، وتحدث عن علاقات الملك سلمان الوثيقة مع المؤسسة الدينية الرسمية، وابتعاده عن الليبراليين السعوديين والعرب، ورغبته في انهاء ارث الملك الراحل في “تهميش” التيار الاسلامي المحافظ والاقتراب من الليبراليين، وربما يكون هذا التفسير صحيحا، ولكن ما علمنا به ان الشيخ راشد الغنوشي طلب من السلطات السعودية الحضور لتقديم واجب العزاء وتهنئة الملك الجديد وفي نيته فتح صفحة جديدة، وهو الذي ابعد من مطار جدة مرتين، وبملابس الاحرام، بسبب غضب السلطات السعودية عليه لاخوانيته اولا، ولقائه بالشيخ سعود الهاشمي قبل اعتقاله ثانيا، فجاء الرد، اي للشيخ الغنوشي، بالترحيب والاذن بالحضور، ولا ننسى ان الشيخ الغنوشي وحركة النهضة التي يتزعمها، والحكومة التي انبثقت عنها في بداية الثورة التونسية عارضت بقوة استضافة السعودية للرئيس التونسي الاسبق زين العابدين بن علي وطالبت بتسليمه.
لا نعرف الاسباب التي دفعت بالمسؤولين الاماراتيين للتغيب عن تقديم واجبات العزاء في الملك الراحل، والاكتفاء بارسال شيوخ من امارات اصغر حجما وثراء، فالامارات تلتزم الصمت، ومن يؤمنون بنظرية “الازمة” اعتمدوا في تحليلهم على انهيار التحالف على موقع اماراتي يرأسه اعلامي مخضرم يعمل في ديوان رئيس الدولة انتقد تعيين الامير القوي محمد بن نايف وزير الداخلية، وليا لولي العهد ورئيسا لمجلس الامن والسياسة الذي يضم وزارات الدولة الامنية والسياسية “الخارجية” و”الدفاع″ و”الداخلية” و”الاعلام” و”الحج”، والايحاء بأن العلاقات بين الشيخ محمد بن زايد والامير محمد بن نايف متوترة، وان الاول كان على علاقة وثيقة مع الاميرين بندر بن سلطان ومتعب ابن عبد الله نجل العاهل الراحل، علاوة على خالد التويجري رئيس ديوان الملك الراحل الذي ابعد بأول مرسوم يصدره العاهل الجديد.
واذا افترضنا ان كل هذه التكهنات صحيحة، او تنطوي على الكثير من الصحة، وربما يكون الحال كذلك، فشيوخ الخليج ملوك التكتم وكل تسريبة لهم للاعلام توزن بميزان من الذهب الابيض، فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن مدى صحة “فرضية” توتر العلاقة او “برودها” بين مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي الجديد؟
***
لم يصدر حتى الآن من مصر ومسؤوليها اي موقف او مؤشر يؤكد على تدهور العلاقات، باستثناء تغيب الرئيس السيسي عن مراسم العزاء الذي قيل انه جاء بسبب الثلوج التي حالت دون اقلاع طائرته فورا من منتجع دافوس الاقتصادي الذي كان يشارك فيه.
المملكة العربية السعودية استثمرت اكثر من 15 مليار دولار لدعم النظام المصري الجديد الذي جاء بعد انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وبنت كل سياساتها الاستراتيجية على اساس التحالف مع هذا النظام بما في ذلك “تجميد” العلاقات مع تركيا والضغط على قطر بلجم “الجزيرة”، وابعاد قادة الاخوان المقيمين في الدوحة، وتصعيدها مع ايران والعراق وسورية، فهل نحن امام تغيير جذري لهذه العلاقة الاستراتيجية من قبل العهد السعودي الجديد؟
من الصعب الاجابة بشكل قاطع على هذا السؤال وغيره، فما زالت اوراق لعب الملك سلمان قريبة جدا الى صدره، ومن الصعب رؤية اي منها، الامر الذي فتح المجال واسعا امام التكهنات من قبل جهات عديدة.
الامر المؤكد ان هناك مجالا واسعا لاحتمالات التغيير، فقد جرت العادة ان يغير ملوك السعودية سياساتهم وخيولهم عندما يتولون العرش، والملك سلمان بن عبد العزيز لن يكون استثناء.
الشيء الوحيد الذي يبدو اكثر وضوحا اننا نقف على اعتاب حرب اعلامية ساخنة تتناطح فيها امبراطوريات اعلامية ضخمة خليجية في معظمها مسلحة بمليارات الدولارات واطقم حرفية عالية الخبرة والمؤهلات، وما علينا الا الانتظار، وهذا “التناطح” سيكون انعكاسا لسياسات جديدة ليس على الصعيد السعودي فقط، وانما معظم الدول الاعضاء في مجلس التعاون، فمرحلة “الجمود” وكنس الخلافات تحت السجادة، يبدو انها تقترب من نهايتها بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان يوصف بكبير العائلة، او شيخ القبيلة الخليجية الاكبر، ويحترمه الجميع، ويقبلون بأبوته حتى وان اختلفوا مع بعض توجهاته.
عن رأي اليوم..
في السبت 07 فبراير-شباط 2015 02:10:29 م