حتى لا يكون الدواء بالكَيّ
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
للشعوب مسيراتها التي لا تعرف توقفاً أو جموداً هي من يصنع التاريخ ويحدث التحولات المختلفة، كما تخلق النقلات النوعية المتميزة بما يستحق أن يوصف بالجديد، وعندما يقال عن عجلة التاريخ بأنها لا تتوقف، أو لا تعود إلى الخلف ، فلأن الشعوب هي الدافع لها ومن يصنع الحدث.. من اللافت للنظر القول بأن مسيرة هذا الشعب أو تلك الأمة قد توقفت لفترة زمنية معينة، جراء دخولها في نفق محنة، تنعكس سلباً بما يصيب الحكومة بالشلل أو الدولة بالفشل أو التنمية بالركود.. إلخ. 
إلا أن التجارب المستخلصة من الواقع تقول عكس ذلك ،وأن أهم التحولات وأبرز النقلات والعلامات الفارقة في التاريخ غالباً ما تأتي من معاناة الشعوب، ومرورها بأنفاق ومحن صعبة وأن ما يظهر عليها من علامات توقف. ماهي إلا محطات توقف تفاعلي إيجابي للمجيء بما هو كبير والانتقال إلى تحول نوعي.. ومن شواهد ذلك مامرت به اليمن من أزمات ومشكلات خلال سنوات مضت وتوقف لحركة التنمية ونقص في كل شيء وتنامي الفساد في مفاصل الدولة، وكيف كان ذلك بمثابة الحافز والتهيئ الشعبي لإحداث النقلة المطلوبة والتحول الهام في مسيرته. 
ما أمامنا من مقدمات تشير جميعها إلى أننا أمام تحول له أبعاده ومستجداته الناجمة عن أزمات ومحن مررنا بها نتيجة لما يمكن اختصاره وإجماله بإعادته إلى الكذب على بعضنا قبل الآخرين، وعدم المصداقية في التعامل، وبما أن الأمر كذلك ،فإن جوهر ما نحن مقدمون عليه يتطلب - إن أردنا به خيراً لمجتمعنا- استلهام إحدى تعاليم رسولنا الأكرم (ص) ونجعل منها شعاراً نتحصن به من إخفاقات ومصائب الماضي ومحبطاته. 
إنها المقولة الخالدة لمن لا ينطق عن الهوى “الصدق منجاة” نعم الصدق منجاة، كلمتان تتجسدان أمام كل ذي بصيرة، كطوق نجاة يقدم إلينا لإنقاذ أنفسنا من الغرق في ويلات صنوف من ممارسات من الكذب وعدم مصداقية. 
بالصدق ننجو من مغبات المقت الكبير عند الله نتيجة الأفعال المناقضة لما قيل من كلام تم الالتزام به، واتفاقيات تم التوقيع عليها، ووعود تم التعهد بها. 
كم من الوثائق والاتفاقيات والمبادرات التي تتمخض عن أزمات وصراعات سياسية نمر بها، ثم ما نلبث أن نسمع شكوى هذا الطرف أو ذاك من الساسة الموقعين عليها - برعايات دولية ـ من عدم التزام الطرف الآخر بها وكذبه، ومغالطاته وتسويفه أو انتقائيته لما يروق له في أحسن الأحوال، ومن الأمثلة على ذلك ما سمعناه ونسمعه وقرأناه ونقرأه من شكاوٍ وتذمر بهذا الصدد، من اتفاقية الوحدة إلى وثيقة العهد والاتفاق إلى المبادرة الخليجية إلى اتفاقية السلم والشراكة.. إلخ.كثيراً ما نسمع ونقرأ من التحليلات والتفسيرات ما تعيد أسباب تلك الحرب والاقتتال إلى الالتفاف على تلك الاتفاقية، وما تعيد عوامل تلك الأزمة إلى عدم المصداقية مع تلك الوثيقة.. وما تعيد أعمال العنف والتخريب الأمني والاقتصادي إلى أساليب المراوغة والكذب والتذاكي الغبي المنسوب إلى هذا الطرف أو ذاك، حتى معاول الفساد ومعاول الهدم الاجتماعي والثقافي والمذهبي، لا تخرج عن تلك العوامل والمسببات وعن تلك الأساليب المصلحية الأنانية، المغلفة أو الملفعة بالكذب وعدم المصداقية في التعامل، والممارسات غير المقبولة بما فيها التعالي والاستخفاف، وما يولد أوجاع القهر والشعور بالاحتقار. 
الكذب آفتنا التي لا نجاة منها بغير الصدق والوضوح والتحصن به من شرورها، وكأن نصحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن “الصدق منجاة لا يصدق على أمة كما يصدق علينا منذ الأمس البعيد حتى يومنا. 
فما تمر به البلاد والعباد من منعطف هام، يحتم ويفرض تغليب المصلحة العليا على ماهي دنيا أو دنيئة حتى يكون العلاج بالحمية والترياق لا بالمشرط والكي، خاصة إذا ما تساهل البعض أو من تغشى مصالحه وجهالته على قلبه بمخاطر التوظيف السيء لماهو أسوأ ،وهو الكذب والتضليل والتحايل والتسويف المتذاكي على الآخرين وإشعال حرائق الفتن، لما يخدم مصالحه أو جهة يطلب رضاها وبركاتها. 
في الأسبوع الماضي قلنا إلى هنا وكفى، وبما أنّا ممن يرجو لا يأمر. نكرر الرجاء ونقول: إلى هنا وكفى.. علينا أن نستشعر مسئوليتنا أمام الله وأمام شعب نفد صبره إزاء اليمن.. اليمن الذي أكرمه الله في قرآنه وباركه نبيه الخاتم، وائتمنا عليه وعلى أجياله القادمة. 
الأمر لا يتطلب منا غير الحب للوطن والحرص على أبنائه وسيادته والمصداقية في التعامل، فالصدق منجاة. 
شيء من الشعر 
أظهروا عكس ما يبطنون 
جعلوا الدين فزاعة 
والعدالة تعويذة 
إدّعوا قيم المصلحين 
مثلوا كل دور به يخدعون العيون 
غير أنّا 
وبعد انكشاف الذي في الصدور 
قرأنا المخبأ تحت الجفون 
فوجدناهُمُ يكذبون 
(من يوميات أيام الوجع مارس 2012). 


في الإثنين 09 فبراير-شباط 2015 09:39:42 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2424