|
كان اليمن ولا يزال ضحية لعبة الحسابات والتي تسعى من خلالها الأمم المتحدة إلى إعادة ترتيب بعض الأولويات الدولية حيث عملت تلك المنظمة على شرعنة الأزمة اليمنية التي برزت إلى السطح بدايات عام 2011 على شكل صراع على مفاصل السلطة وتحويلها إلى ورقة من أوراق الصراع المتزايد والمحتدم في المنطقة ليغدو العامل الخارجي العنصر الرئيس والأساس في موازنتي الاضطراب والاستقرار في هذا البلد، وهي معادلة وان بدت متنافية للوهلة الأولى مع التسوية التي اقترحتها المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية فإنها من جانب آخر تظهر فاقعة بعد أن جرى إخضاعها لطبيعة التسويات التي تشتغل عليها المنظمة الدولية في عدة مناطق عربية وربطها قهراً بمسارات الملفات الأخرى.
لقد تداعت المرحلة الانتقالية المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن ودخلت البلاد مرحلة جديدة وخطيرة من عدم الاستقرار والفراغ بعد أن قدم الرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الحكومة استقالتيهما في أعقاب سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثية) على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة وفرض نفسها كمعبرة عن جميع اليمنيين الا انه ورغم هذه التطورات التي عززت من احتمالات تقسيم البلاد وانتشار العنف على نطاق واسع فليس هناك ما يدل على أن هذه المنظمة الصماء قد أدركت جسامة الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها في اليمن حيث وان ما جاء في تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الرياض الأحد الفائت لا يوحي على الإطلاق من أن المسؤول الأول عن تلك المنظمة يمتلك الشجاعة في الاعتراف بتلك الأخطاء أو انه الذي بات مقتنعا بفداحة دور الأمم المتحدة في اليمن والذي ربما لم يختلف عن الدور السلبي الذي لعبته في العراق وليبيا وسورية والسودان بل إن من تابع تفاصيل حديث الأمين العام عن الأزمة اليمنية سيجد أن الرجل مازال يجهل أن مبعوثه الشخصي إلى اليمن أصبح في نظر معظم اليمنيين جزءاً من الأزمة التي تعصف بهم وليس جزءاً من الحل، وما كان يتوقعونه منه هو إنهاء مهمة هذا المبعوث لا إعادته إلى اليمن خاصة بعد أن اخفق جمال بنعمر في حماية النظام الجديد الذي شارك في بنائه واخفق في تنفيذ ما تم التوقيع عليه برعاية المجتمع الدولي والإقليمي واخفق في حقن دماء اليمنيين واخفق في ممارسة دوره كرسول سلام غايته مساعدة اليمنيين على تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم والمضي في انجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية وفقا لبنود المبادرة الخليجية التي سعى إلى تعطيلها وإفشال العمل بها.
هناك من يتهم الأمم المتحدة داخل اليمن وخارجه وعن وجه حق بأنها كانت وراء الإخفاقات والعراقيل التي اكتنفت المسار الانتقالي في البلد وأنها أيضا من أحبط مساعي تحقيق المصالحة الشاملة بين جميع الفرقاء في اليمن وما يعزز من هذه الشكوك هي المواقف والطروحات والسيناريوهات التي حملها بنعمر معه إلى صنعاء والتي استطاع من خلالها إشعال الصراعات والحروب وإيقاد الجمر بين اليمنيين ودفعهم إلى سحق بعضهم البعض، فهو من أوقع الرئيس هادي في أحابيله حتى أسقطه من السلطة وهو من أوصل الحوثيين إلى القصر الرئاسي وهو من سعى إلى تفكيك اليمن على غرار الأنموذج الصومالي، وهومن قسم اليمنيين إلى مكونات جهوية و مناطقية وطائفية وشوفينية وهو من كرس نزعات التجزئة لديهم وعمل من خلال مخرجات الحوار على تفكيك دولتهم إلى عدة أقاليم فيدرالية دون إدراك لمشكلات هذا المجتمع وتنوعاته وتعقيداته وهو من استخدم عصا العقوبات الدولية ضد كل من يعارض سياساته التفكيكية التي أوصلت البلاد إلى هذا المنزلق الكارثي الذي أصبح فيه اليمن خطرا على نفسه وجيرانه.
فهل كان اليمن ضحية لحسابات الكبار الذين يستخدمون المنظمة الدولية غطاء لتمرير أهدافهم المشبوهة ؟
سؤال يبدو أن الكثيرين منشغلون في محاولة الإجابة عنه، وتفسير أسباب ما بات يعرف بالجحيم اليمني الذي يحمل في طياته كل تناقضات التاريخ والواقع معا.
نقلا عن "الرياض" السعودية
في الأربعاء 11 فبراير-شباط 2015 04:19:52 م