|
الاختصار والابتعاد عن الحواشي والزوائد من الروافع الكبرى في علم المعاني النابعة من اللغة، ففي هذا العلم يتوقف الكاتب أمام طاقة الإضمار التي تمنح اللغة مجالاً للتنويع على الكلام الذي يتجاوز الكلام، وعلى المعاني التي تنبجس من تضاعيف الدلالات المتجددة بالخيال والاستقراء والافتراض.
نلمس هنا كيف أن هذه الطاقة موصولة حصراً بالقدرة على الحدس، والتشويق، من خلال ترك فجوات إيحائية في المعنى، مما ينعكس في سياق اللغة والكلام، وتكون له آثار دلالية متنوعة عند المُتلقِّين، والمعروف لساناً أن العربية لغة إضمار واختصار بامتياز، بل إنها تكاد تكون اللغة الوحيدة التي تتميز بفرادتها الجذرية الثلاثية، وبمعطياتها الصوتية السابحة في فضاء اللامكتوب ظاهراً، لهذا السبب لجأ نُسَّاخ القرآن الكريم إلى كتابة كامل الصوتيات غير المرئية في الرَّسم التقليدي للكلام، وإضافة النُّقاط إليها، بحيث أصبح القارئ للنص القرآني بمنأى عن الاجتهاد الصوتي الذي يسمح بالَّلحن، وتغيير المعنى.
هذه الحقيقة تجعلنا نعتدُّ كثيراً بفكرة الحذف والاختصار .. تماماً كما يفعل التاوي الصيني وهو يرسم الطبيعة، فقد قرر التاوي الصيني منذ زمن بعيد التخلي عن التحشيد الكمي في عناصر المنظور البصري، واستعاض عنها بالفراغ المُعبِّر عن تلك اللطيفة الكبرى في الوجود .. لا فراغ إلا وكان جسر عبور للامتلاء .. لا موت إلا وهو بشارة بحياة جديدة.. لا تلاشي ولا خراب في الطبيعة بل تجدد وتناسخ لا يتوقف.
طاقة الاختصار والاختزال رافعة لبيان العرب.. تلك اللغة التي تتمرأى في الأثير كما لو أنها ليست سراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماء، بل نقطة ضوء يشع منها بهاء لا متناهٍ في جواهره ومكنوناته.
Omaraziz105@gmail.com
في الإثنين 23 فبراير-شباط 2015 08:42:38 ص