|
يقول الإمام علي ـ كرّم الله وجهه ـ «لا ظهير كالمشاورة» بمعنى أن من أراد القوة والسند والمَنَعَة فعليه بالأخذ برأي أهل الحكمة والعقل. ويقول شاعر المحبّة والحكمة عمر الخيّام عن تجارب وممارسة لخّصها في بيتين من الشعر، مفادها إن أردت الفوز والنجاة فعليك بكبار العقول، بل لا تتردّد أن تشرب السمّ من أياديهم، كون السمّ يتحوّل إلى دواء في يد العاقل، كما يتحوّل الدواء إلى سمٍّ زعاف في يد الجاهل وأهل الغوغاء، يقول البيتان:
عاشر من الناس كبار العقول
وجانب الغوغاء أهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقلٍ
واسكب على الأرض دواء الجهول
ومن الحكم الشعبية الآتية من تجارب ومخبرة الأيام قول المثل الشعبي اليمني: «الذي ما معه عاقل، عاقله الشيطان»
قالوا قديماً: الشعر ديوان العرب، ومن هذا الديوان نقتبس ما لخّص لنا الأجداد من نصائح وحكم، ومن هذه الحكم أن الناس متى ما أرادوا بناء مُلك ومجد وازدهار؛ فإن عليهم بأهل العلم وأهل المال، أي ما نسمّيهم اليوم «علماء الاقتصاد ورجال الأعمال أو الرأسمالية الوطنية» وقد لخصوا ذلك في قول الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس مُلكهم
لم يُبن ملكٌ على جهل وإقلال
أما الفتن وويلات الحروب والاقتتال إذا ما أطلّت بقرونها الشيطانية فما على الناس لتجنُّب ذلك وإنقاذ البلاد والعباد من ويلاتها؛ إلا اللجوء إلى أهل العقل والحكمة أو عقلاء القوم ـ كما يُقال ـ كما جاء في التحذير القائل شعراً:
وإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب أولها كلامُ
إذا لم يُطفها عقلاء قومٍ
يكون وقودها جثث وهامُ
هكذا إذا ما بدرت نُذر الفتن والحروب جرّاء سفه السفهاء وطيش الطائشين وإفراط المصلحيين في أنانيتهم؛ وجب إيكال الأمر لتدبير وحنكة وحكمة عقلاء القوم، وهذا ما يطرح أمامنا سؤالاً يقول:
في إطار ما نعيشه من أزمات ومتغيّرات متلاحقة منذ سنوات؛ تُرى هل رجعنا إلى كُبرائنا وعقلائنا وأهل الحكمة منّا؛ فأسندنا إليهم مهمّة إخراج البلاد مما هي فيه، وإنقاذها مما يحدق بها، وهل وفّقنا في ذلك..؟!
جميعنا على دراية بما يتربّص باليمن وأهله من مخاطر ـ من الإذلال والإفقار والتبعية، إلى التمزُّق والتناحر ـ وما من يمني إلا وفي جدار منزله نافذة - اسمها التلفاز ـ يشاهد من خلالها ويسمع بوضوح أي نيران تُجمع أحطابها وتذكيها وتنفق عليها أيادٍ تقطر حقداً وبغضاً ورواسب جاهلية جرّاء كل ذلك الذي لا يحتاج إلى تبيين لوضوحه للكبير والصغير، هل استفدنا من نصائح وتجارب من قبلنا، فأحسنّا اللجوء إلى من تؤهّلهم عقولهم ومصداقيتهم ووطنيتهم وغيرتهم لإطفاء نار ودفن فتنة وإلجام فوهة بندقية ومدفع.... إلخ، أم وقعنا في شرك المدافعين عن مصالحهم..؟!.
لقد اختارت السُلطة والأحزاب من رأت فيهم خيارنا ليجلسوا على طاولات حوار وطني أشهراً متعاقبة، وخرجوا بما قيل إن التباطؤ والتحايل والانتقائية في التعامل مع تلك المخرجات هو ما فجّر وأثار الشارع ثانية، لتتداعى المكوّنات السياسية برعاية السُلطة وممثل الأمم المتحدة، ويتوصّل الجميع إلى التوقيع على معاهدة «سلم وشراكة» سرعان ما تعرّضت لما تعرّضت له بنود الاتفاقية أو المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار من تسويف وتحايل وتباطؤ، لينفجر ويثور الشارع ثانية، ثم يُقال لنا: «هاهم خياركم أو خيرة الخيرة من قيادات حزبية يعكفون في فندق الموفمبيك بإشراف جمال بن عمر على إخراجكم من محنة، وإبعاد نذر الحرب والتمزُّق عنكم».
ولعلها الفرصة الأخيرة، لكن ما لبثنا أن سمعنا واقع الحال يقول لكل منّا: «وللآخرة خيرٌ لك من الأولى» أي أن ما تحدث من مماحكات وتأجيلات وانسحابات بل واستغفالات واستهبالات مستفزّة داخل جلسات هذا الحوار أو الفرصة الأخيرة؛ لا يبشّر بخير ولا ينذر إلا بما لا تُحمد عواقبه.
وعلى القارئ بالعودة إلى ما كتبه الأستاذ أحمد الكحلاني عمّا يحدث في تلكم الجلسات ويبعث على الضحك بطريقة أبي الطيب المتنبي..!!.
إن ما أورده ملخّص الأستاذ أحمد الكحلاني من داخل جلسات حوار الفرصة الأخيرة، ومرور قرابة نصف شهر ولم يتقدّم أحد ممن يماطلون ويعقّدون الأمور بالرد عليه وتفنيده بمنطقية، ليجعلنا نتساءل قائلين: تُرى هل نشرب دواء الجهول، أم اختفى عقلاؤنا لينبري الشيطان ويقول أنا عاقلكم..؟!.
إن الشعب اليمني لم يعد يحتمل، وتلك نسوته تحمل إنذارها إلى المتحاورين في الموفمبيك قبل أن يصلهم غضب رجاله.
شيء من الشعر:
شعب تصدّر حلم أمّته
وبأمره الأحداث تأتمرُ
ما استل سيفاً من عزيمته
إلا استضاء بضوئه القمرُ
كالشمس أشرق من رُبى يمنٍ
عزم الذين لدينه انتصروا
عزم الأباة بأرض ذي يزنٍ
يأتي بمالم يفعل الأولُ
من ديوان «الغنائيات»
في الإثنين 23 فبراير-شباط 2015 08:44:37 ص