أعتذر لبيتي الأول صحيفة الجمهورية
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
بون شاسع بين الهروب إلى الذات، وبين الخلوة معها، ومادمت مقتدراً على فهم واقع أعيشه، وفلسفة واستيعاب أحداث تتعاقب، فلن أقع فريسة للهروب إلى الذات بالانطواء واليأس، ولكني صرت بحاجة ماسة للخلوة مع ذاتي للتأمل والمراجعة وإعادة ترتيب مفاهيم ورؤى. 
دعوني لذاتي ـ وإن لبعض الوقت ـ وأتوسل أن يقابل اعتذاري بالقبول ممن أحب وأولهم بيتي الأول، وإن كنت أحس بألم ومواجع من يُخرج من دياره، بانقطاعي عنه أو توقف تواصلي. 
أعتذر لصحيفة الجمهورية ـ بيتي الأول ـ كونها أول من أفسح لقلمي مكاناً مناسباً يليق بالأخذ بين قلم يرتعش بين أصابع التلميذ ذي الستة عشرة سنة وشاعر صغير السن والتجربة ، يدق بوابة القصيدة بغنائيتي “نجوم الليل” و “ ياطيب الهوى”. 
أعتذر لبيتي الأول ـ صحيفة الجمهورية ـ ولقرائها الأعزاء، وللكرام من متابعي إطلالتي الأسبوعية عبر صفحتها الأخيرة ـ كل يوم اثنين ـ وموقعها الإلكتروني. 
أعتذر، والعذر عند كرام القوم مقبول، فأنا كما أسلفت بحاجة ماسة للاختلاء بذاتي والانفراد بها، لأقول لها مالا يباح من المخزون المتراكم في صدري، وأسمع منها ما أنا بحاجة إلى سماعه بشفافية ووضوح هي أشبه بإشراقة الروح الإلهية على روح عاشق صوفي، يتحدث إلى الله سبحانه دون لغة. 
أعتذر، وإن لبعض الوقت، حتى أنظر في ما وقعت تحت تأثيره ولا أقوى على مقاومته أو تجاهله، ووجدت أن الكتابة لم تعد مجدية، أو ذات قيمة تذكرـ في هذا الظرف الذي أمر به وأتفاعل معه كخيط في هذا النسيج اليمني ـ وأن هذا القلم المجاور لقلبي الذي لا يبتعد عنه إلا عندما أمسك به ـ ولمسافة لا تزيد عن ثلاثين سنتيمتراً ـ يجب أن ينام بعيداً عن القلب حتى لا يزيد من مواجعه وآلامه. 
أنا بحاجة ملحة لإبعاد هذا القلم عن قلبي، وعدم الإمساك به لأرتاح بعض الوقت، وأجلس مع ذاتي للتأمل والتفكير. 
نعم التأمل في الصداقات، العداوات، النفاق ، الصدق الاندفاع العاطفي، الانتقام، السلطة ، المال ، المعرفة ، الجهالة ، الحب ، الكراهية، الحقد ، الغضب ، الحاجة ، الاختيار ، السقوط، الترفع. المكارم، الدنايا، وكل ما يتطلب الأمر التأمل فيه، لتسهل عملية أو محاولات فهم الواقع ومستجداته ومتلاحقاته، وفلسفتها حتى تستوعب وتفهم بما هو منطقي، لا بما يؤدي إلى ردود أفعال سلبية. 
الكل بحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة في معركة الحياة، فليس القائد العسكري وحده من يقف في استراحة محارب ليحصي خسائره ويتدارك أخطاءه، ويعزز مواطن قوته. حتى المزارع في حقله، بحاجة وهو يمسك بمعوله ليتوقف ويرفع قامته ويمسح عرقه ويلتفت إلى ما أنجزه في تسوية حقله أو بذره، أو تنقيته من الشوائب، ثم يعود إلى انهماكه ومواصلة عمله. 
بالأمس سألني صديقي بقوله: ما الذي كان يشغل تفكيرك في مقيل الأمس وعلى غير العادة لم نستمع منك تعليقاً أو نكتة ذمارية، فقلت له: كنت أجول بخاطري على كل ما يمكنني من اتخاذ قرار سليم. فقال: وهل اتخذت قرارك هذا ؟ أجبته: نعم، سأتوقف عن كتابة ما أطالعكم به أسبوعياً عبر صحيفة الجمهورية وإن لبعض الوقت.. لنا لقاء . 
شيء من الشعر 
«الصداقات كالعداوات تؤذي» * 
كيف ينجو صرفهن لبيب ؟! 
والأراضي الوهاد، تشرب أمزا 
ن، الروابي، فجف غصن رطيب 
وأحالوا سماحة الدين خبثاً 
في زوايا النفوس منهم يجوب 
انقساماً، وفتنة تزرع الرع 
ب، ويكسو الوجه منها شحوب 
خاب ظني أسى، وكيف لمن عاش 
زماني ظنونه لا تخيب 

«من ديوان حقل الروح» 
* السطر المقوس من قصيدة شهيرة لأستاذنا الشاعر 
         الكبيرعبدالله البردوني. 


في الإثنين 02 مارس - آذار 2015 09:18:04 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2508