|
عندما تحتدم الخلافات بين أبناء البلد الواحد ويقترب من حافة الصدام يستيقظ العقل ويبدأ المختلفون في إعادة النظر نحو أسباب خلافاتهم والتأمل في العواقب الناتجة عن الصدام إذا ما حدث، كما يبدأ العقل في استعراض قائمة البدائل والبحث عن الحلول الممكنة التي من شأنها أن تؤدي إلى الحد الأدنى من التفاهم ثم الوئام.
بلدان كثيرة في هذا العالم الواسع اختلف أبناؤها في مواقفهم وفي وجهات نظرهم، لكن عقولهم هدتهم في الوقت المناسب إلى نزع فتيل الخلاف وتجاوز حالات التناحر، والعودة إلى الحوار بمعناه العلمي الدقيق الذي يبدأ من الاعتراف بالآخر وإدانة كل المحاولات والمواقف التي تذهب إلى إقصاء هذا الآخر وعدم الاعتراف بحقه أو رفض التعامل معه، في حين أنه طرف فاعل وموجود وله كيانه المعترف به من الناس وفي الحياة العامة. وبدون التسليم بأهمية الحوار والاعتراف بقوانينه ومحدداته يكون كل اجتماع يضم المختلفين تحت أية راية أو قبة محكوم عليه بالفشل. والقاعدة الذهبية للحوار تقول "إنني أحاور المختلف معي لكي نصل سوياً إلى أن يعترف كل منا بالآخر، وبحقه في أن يشاركني وأشاركه في التوافق على وضع حد نهائي لما نحن مختلفين عليه" وإذا لم يقم الحوار على هذه القاعدة الذهبية، وعلى رؤية نابعة من العقل ومستقاة من تجارب الحياة فإنه لن ينجح سوى في إيجاد مزيد من الخلافات والتعقيدات.
وأظن، بل أكاد أجزم أن المختلفين في بلادنا يدركون جيداً أن الشعب –سواء في المدن أو الأرياف- قد شب عن الطوق، ولم يعد هو تلك القوة الجامدة التي تنظر إلى مجريات الأمور في البلاد بسلبية مطلقة. لقد تغير الحال وارتقى وعي الناس، وتعلم هذا الشعب من تجاربه وتجارب الآخرين، وبات يدرك من هي القوة السياسية التي تأخذ بيده نحو الخلاص الحقيقي، ومن هي القوة التي تخدعه وتقوده إلى الهلاك.
ومن يصغي إلى همس الشارع وما يتردد في الحواري والساحات وما تقوله القرى وترسله من رسائل عفوية صريحة وغير خانقة، من يتابع ذلك كله يدرك حقيقة أن الشعب قد تغيّر تماماً وألقى بسلبيته التقليدية في البحر، وأنه من خلال تلك الرسائل العفوية يحذر المتلاعبين والذين يمدون حطب الخلافات بالزيت المشتعل بأنهم سيكونون وقوده إن عاجلاً أو آجلاً.
العقل إذاً، وليس غير العقل في مقدوره أن يخرج بالبلاد من محنتها الراهنة ويعيد إليها الاستقرار وإلى أهلها الطمأنينة والأمان. الخلافات الذاتية والشخصية والركوب على "قصب" الأوهام لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من الشقاق وتعميق الفرقة وتمزيق بنية الوطن الواحد وما تقود إليه من انزلاق إلى ما هو أمرّ وأخطر.
والذين يتوهمون أن النار إذا ما اشتعلت في جسد الوطن إنما ستأكل خصومهم فقط لا يملكون ذرة من إحساس ولا بقية من عقل، لأنها حين تشتعل –لا سمح الله- ستأكل الجميع ودون استثناء وستأكل –قبل ذلك وبعد ذلك- وحدة الوطن وتقضي على كل محاولة لجمع صفوف المواطنين ولـمّ شتاتهم، وهناك كثير من المنتفعين ممن يريدون لهذا الكابوس أن يتحقق ويعم الخراب على البلاد ويغرقها بالفوضى وبالدم، وما واقع الأشقاء في العراق وسوريا وليبيا عنا ببعيد.
وأحياناً تبدو المغامرات المحسوبة أحياناً من الاختراقات الحميدة التي تؤدي إلى إنجاز بعض ما تحتاج إليه الشعوب من تغيير سريع ومواكبة لمتطلبات الحياة العامة، ولكنها –أي المغامرات- تخرج في كثير من الأحيان عن السيطرة المحسوبة وتتحول إلى عوائق ومنحدرات لذلك لا مناص من تحكيم العقل والركون إلى أحكامه حتى لا تنقلب الفضيلة إلى رذيلة والإنقاذ إلى ورطة، وفي الماضي البعيد والحاضر القريب كثير من النماذج القادرة عند مراجعتها بوعي تام على أن تشرح ما خفي وأن تقول ما لا يقال.
الدكتور همدان زيد دماج.. رواية تفوز بالجائزة ومجموعة قصصية تنشرها مجلة الرافد:
في تزامن يثير الإعجاب فازت الرواية الأولى للشاعر والقاص همدان زيد مطيع دماج "جوهرة التعكر" بجائزة الشارقة كما نشرت مجلة الرافد مجموعته القصصية الجديدة "ربما لا يقصدني" وتضم عدداً من القصص التي كتب الدكتور همدان بعضاً منها في لندن وبقيتها في صنعاء، وهي إضافة إلى الأعمال الإبداعية السردية التي تكتبها الطليعة الجادة من الشباب.
تأملات شعرية:
كلما اشتد صوت الرصاص
ولعلع في الصدر خوفي
خرجت إلى سطح بيتي وناديت:
يا أهلنا...
أيها اللابسون دروع الحروب
إلى أين تمضون؟
إن الطريق إلى الله
لا تبتدي من هنا
والطريق إلى القدس
لا تبتدي من هنا
فاخلعوا لامةَ الحرب
واحتكموا للحوار.
في الأربعاء 04 مارس - آذار 2015 01:42:48 م