قوى تهدم ولا تبني
دكتور/د.عادل الشجاع
دكتور/د.عادل الشجاع
أذكر ونحن في المدرسة كنّا نتعلّم أن يداً تبني ويداً تحمل السلاح، واليوم أصبحنا أمام يدين؛ إحداهما تهدم والأخرى تقتل، لقد تغيّرت الأولويات لدى القوى السياسية التي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة؛ حيث أضحى الثأر السياسي لديها هو من أعظم أولوياتها، بل إن الثأر السياسي أخذ الأولوية على كل ما عداه، حتى أضحت البلاد على حافة الهاوية. 
ولست بحاجة إلى القول إننا أمام وضع صعب وأزمة لا يستطيع حلّها سوى جيل الشباب؛ إذا تخلّوا عن هذه الأحصنة التي لم تعد قادرة على جر العربة، لابد للشباب في مختلف الأحزاب والقوى السياسية أن يتفقوا على بناء اليمن، وأن يدركوا أن الثورات أرهقت الوطن والمواطن ودمّرت البنية الأساسية والنفسية، لابد أن يدرك الشباب وهم يمثّلون 70 % من مجموع سكان اليمن أن اليمن لم تخرج من دائرة التخلُّف الإمامي والاستعماري رغم المحاولات الكثيرة منذ عام 1962م، فقد ظلّت مشاكلنا أكثر من أن تُعد، ومكانتنا على المستوى العالمي في آخر الدول. 
أمام الشباب أولويات كثيرة أهمّها أولويات تحقيق الكفاية والعدل وتحقيق السلم الاجتماعي ومواجهة التطرُّف والإرهاب الذي يقضُّ مضاجعنا صباح مساء، ويمنع المستثمرين المحلّيين قبل الأجانب ويمنع السياحة، ويقتل اليمنيين، ويضعنا كيمنيين طوال الوقت في حالة مستمرّة من المواجهة تحت مسمّيات متعدّدة نظن أنها وطنية وهي في حقيقة الأمر تخدم استمرار التطرُّف والإرهاب وتمزيق النسيج الاجتماعي والوطني..!!. 
نحن نعوّل على الفئة الشابة فيما لو توقفت أمام العقل في أن تتوجّه نحو التنمية ومواجهة الإرهاب؛ على أن تتعامل مع كل طرف منهما بمعزل عن الآخر، قد يقول قائل: كيف لهذه الفئة الشابة أن تقوم بذلك وهي لا تملك من أمرها شيئاً..؟!. 
أقول: على العكس من ذلك؛ فهي تملك الموجّهات الحقيقية للقوى السياسية، وفرض الخيارات على هذه القوى أو تركها دون الاصطفاف معها؛ ما يجعل هذه القوى تستمر هو اصطفاف الشباب معها هنا وهناك؛ مع هذا الحزب أو ذاك، ما يجعل الشباب وقوداً لصراعات مجانية..!!. 
ما نحتاجه ليس رفع معدّلات القتلى في المواجهات التي تتم بين الجماعات المسلّحة؛ إنما نحتاج إلى رفع معدّلات النمو الاقتصادي ورفع مكانة اليمن بين الدول، علينا أن نفكّر كيف نخترق حُجب التخلُّف بدلاً من التفكير بالانفصال، علينا أن نفكّر كيف نخرج من الظلام إلى النور، علينا أن نتعاون جميعاً في بناء اليمن لكي نتخلّص من الإرهاب، وأن نجعل النمو الاقتصادي أسرع من نمو الإرهاب. 
أنا أعوّل على الشباب لسبب بسيط؛ لما يمتلكونه من قدرات ولأن المستقبل مستقبلهم، ولأن الاعتماد على الجيل القديم يعني معالجة مشاكلنا بنفس الطريقة عدّة مرات، وقد أثبتت الأحداث أننا نحصل على نتيجة واحدة وهي استمرار الأزمات مضافاً إليها فساد جديد. 
الشباب إذا توحّدت رؤاهم للمستقبل ستتوحّد جهودهم بطريقة هيكلية وسيحقّقون استقراراً بالسرعة المطلوبة، وسيفكّرون بما لم يفكّر فيه جيل الشيوخ الذين مازالوا يفكّرون بطريقة تقليدية ولا يستطيعون الابتعاد عما تعوّدوا عليه. 
أنا أدعو الشباب هنا إلى توحيد رؤاهم حتى يتمكّنوا من عزل القوى السياسية المتكلّسة ويمدّون أيديهم إلى بعضهم البعض، وفي هذه الحالة فإن الشباب لن يُعيدوا تجربة التورُّط في الثأرات، ولن يُستدرجوا إلى الكراهية التي لا شأن لهم بها والتي تصبح حتى ضد الوحدة. 
أيها الشباب؛ لا تتركوا بلدكم يعيش حالة الاكتئاب والوجل والخوف والتوتر والذعر الذي لا ينتهي، عليكم أن تقهروا الإرهاب والظروف الصعبة والحماقات التي تصدر عن القوى السياسية التي لا ترى أبعد من مصالحها والتي تخلق الكوارث بفعل حماقاتها وسوء إدارتها للأزمة. 
عليكم أن تجعلوا بلدكم دولة طبيعية، لا تتركوا هذه القوى تجعلها دولة شاذّة، وعليكم أن تجعلوا للحياة قيمة، وللحرية كذلك، والسعي نحو السعادة، وعليكم أن تطردوا ثقافة الموت؛ لأن الحياة هي صناعتكم، والموت هو صناعة القوى التي مازالت تؤمن بحمل السلاح بدلاً عن القلم والمحراث والمشراط، نحتاج إلى حياة تقوم على الأخذ والعطاء. 
إن تحدّي الوضع الراهن لن يكون إلا بالحياة، أي بالبناء؛ فلا يُغلق طريق ولا تتوقّف له مباراة في كرة القدم ولا ينقسم بين المتخاصمين ولا يعرف جنوبه من شماله. 


في السبت 07 مارس - آذار 2015 08:56:40 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2530