|
التراث الشعري العربي.. عنوان كتاب نتابعه مع مؤلفه الدكتور يوسف الفهري، متصدياً لتقديم رؤية حول التراث الشعري العربي من أساس وتضاعيف البنية الثقافية المعرفية التاريخية النابعة من المنصة الانتربولوجية السياقية لثقافة العرب، وباعتماد منهج تطبيقي يتأسَّى بعديد الشواهد الشعرية التاريخية التراثية.
ومنذ البداية يناقش المؤلف في عتبات نصه الممتد معنى الشعرية في التراث العربي، ناظراً للشعرية بمعناها الواسع، ومُلاحظاً شمولية تلك الشعرية في أُفقي اللغة المجردة، والتقاطعات اللغوية السياقية بعامة.. هنالك حيث تكتسي اللغة أبعاداً تصويرية وموسيقية وإشارية، فالشعر يتجلَّى هنا بوصفه كلمة وسياقاً، والشعرية تكمن في ميزان الكلام المستمد من موسيقى الوجود، سواء تجلَّى الميزان في الكلمة من خلال القاموس اللغوي، أو في السياق العام للجملة الشعرية من خلال شلالات الدفق الغنائي المقرون بالصدر والعجز والتفعيلة والروي.
ومما لا جدال فيه أن هذا الموضوع النظري الإشكالي يفتح باباً واسعاً لنظرات متعددة، فالمنطلقون من علم النقد التاريخي العربي يقرنون الشعرية باللغة المجردة، حيث ينبري الأدب كمُعادل مركزي في النقد.. والمنطلقون من رحابة علم الجمال بوصفه علماً للفنون المختلفة بما فيها الأدب، يستقرئون هذا المعنى في أُفق أوسع، وقد حاول الباحث التركيز على لطيفة التخييل الشعري، كما ورد عند الفارابي، وابن سيناء، وابن رشد، مؤكداً على مقولة الجاحظ حول توفُّر معاني الشعر على الطريق، بل توفُّر الكلمات على الطريق، غير أن الشاعر هو القادر على تحويل هذه الكلمات إلى ركائز بناءٍ لنصٍ شعريٍ مفارقٍ للمعاني القاموسية والدلالية المباشرة، فالشعر بطبيعته تحليق في اللا مكان واللا زمان، بل إبحار في الوهم والمُخاتلة الفنِّية العذبة، ومن هنا كان الشعر لسان العرب الأميز، وديوانهم الأكبر.
وفي ذات التقديم التمهيدي يتحدث المؤلف عن نظرية التلقي بوصفها الوجه المقابل لعملية الإبداع .. ثم يخوض في سؤال الشعرية العربية المقرونة بالمحطتين التوصيفيتين التاريخيتين. أقصد محطتي الانحطاط والنهضة.. وهنا يحدد الباحث رأيه في الإحياء النهضوي العربي الذي اقترن بتباشير القرن العشرين، مُعتبراً الإحياء مجرد استدعاء ميكانيكي للشعرية العربية التاريخية، بما يذكرنا بتلك الآراء المُتطيِّرة التي لم تلحظ البعدين الإحيائي والنهضوي قي سياقهما المشترك، وهنا وجب التوضيح بأن كبار الإحيائيين العرب لم يكونوا يعيدون إنتاج الماضي الشعري بوصفه مُقدساً كامل الخصال، بل بوصفه استدعاءً منهجياً لمنابع الأُصول الشعرية العربية التي لم تكن يوماً ما في حالة مُبارزة دونكيشوتية مع الجديد الموضوعي في الحياة، فالإحيائيون على قدر حضورهم المنهجي في تراث الماضي الجميل كانوا منخرطين سياقاً وجبراً في سؤال العصر واستحقاقاته الموضوعية.. يتساوُون في ذلك مع الفكر المجرد، الذي تأثر بنماذج أوروبية قومية ويسارية حيناً، وبالتاريخ الخاص للعرب المسلمين أحايين أُخرى، ولكنهم تباينوا في مشمولات خطابهم وسلوكهم، عطفاً على تلك النماذج، وتنويعاً عليها، ودونما فقدان لبوصلة الانتماء الجبري للثقافة الخاصة، وكانت الثقافة العالمة، أو ما يُسمى بالانتربولوجيا الثقافية العربية، رافعة لذلك التنوع، وتلك الاجتهادات.
وبغض النظر عن مدى تطابق الآراء أو تفاوتها في النظر لتقييم المحطات الشعرية التاريخية العربية .. القديم منها والمعاصر، فإنه مما لا جدال فيه أن الكتاب الماثل يقدم جُهداً توصيفياً تطبيقياً لنوابض الشعر العربي، وما انبثق عنه من معارف وعلوم، كانت وما زالت تُمثل منصة كبرى لمعرفة الخطاب الشعري في التراث العربي.
Omaraziz105@gmail.com
في الأربعاء 11 مارس - آذار 2015 08:36:57 ص