|
جمع المفكر ابن خلدون بين رؤيته التاريخية الثاقبة واستيعابه للعوامل المجتمعية المؤثّرة في التطوّر، وبهذا القدر من الاستيعاب المعرفي الإبستيمولوجي لتراكيب المجتمعات البشرية اعتبره علماء التاريخ والاجتماعيات أحد أبرز السوسيولوجيين العرب، فقد كتب ابن خلدون سلسلة تاريخه التي تضمّنت ما جاء على لسان الرواة وفي المتون القديمة من تسجيل حي لتواريخ الأمم والممالك، لكنه عرف بـ «المقدمة» التي اشتهرت أكثر من موسوعة تاريخه المتضمنة عديد المجلدات.
فـ «مقدمة» ابن خلدون كانت بمثابة مشروع استقراء لعلم التشكيلات السياسية الموصولة بالتراكيب الاجتماعية والاقتصادية حتى إنه يمكننا القول إن رؤية المفكّر اليساري المادي "كارل ماركس" الخاصة بعلم التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية كانت على تماس ضمني مع نظرية ابن خلدون.
وحتى نمسك بوجه التفاصل والتواصل بين ابن خلدون وماركس؛ لا بأس من الوقوف على رؤية ابن خلدون التي وردت في مقدمته، فقد اعتمد ابن خلدون في قراءته للمجتمع على ثنائية “الحواضر” و“البوادي” وبمعنى آخر ثنائية المدينة والريف، مُعتبراً أن سكان المدن يتـّـسمون بالاسترخاء والنعومة والنزعة السلمية المهادنة، وفي المقابل يتـّـسم سكان البادية أو الريف بالعصبية، والحذق والفراصة، والنزعة التدميرية والفتوّة.
لقد ضرب ابن خلدون مثلاً على ذلك بالحيوانات التي تعيش في المدن ذات الأجسام الممتلئة والمُتنعُّمة بأعلاف أصحاب الحظائر، بمقابل حيوانات البادية الأكثر قوة ورشاقة والأبعد عن الاستئناس بمجاورة الآدميين.
استتباعاً لذلك؛ أشار إلى أن الدولة لها عمر معلوم، وشبَّـه أعمار الدول بأعمار الأفراد من الطفولة إلى المراهقة فالفتوّة والحكمة ثم الانهيار، واعتبر أن كل دولة تبدأ من نقطة جنينية بسيطة، ثم تخوض غمار تطوّر تراجيدي، ثم تقوى حتى تصل إلى الذروة، وأخيراً تنهار بصورة جبرية؛ لأن للدولة عمراً.
واعتبر أن العصبيات تدمّر الدول، تحاصرها، وتنشر فيها المفاسد، ثم تنخر في هيكلها حتى التدمير، وبعد ذلك تأتي هذه العصبيات على نفسها فتدمّر نفسها بنفسها.
Omaraziz105@gmail.com
في الأربعاء 18 مارس - آذار 2015 08:20:44 ص