استقبال الشهر الكريم؟!!
دكتور/عبدالعزيز المقالح
دكتور/عبدالعزيز المقالح

ليست المرة الأولى التي يسارع فيها التجار في بلادنا إلى رفع الأسعار بالتزامن مع حلول شهر الصوم ، ولا هي المرة الأولى التي يرتفع فيها سعر الدولار ويهبط مستوى العملة المحلية احتفاءً بهذه المناسبة الكريمة .
 لقد صارت عادة لدى التجار وعادة لدى المضاربين بالعملة أن يبدأوا هذا العمل المشين والمخالف لأبسط قواعد العقيدة والمواطنة في وقت محدد من العام وقبل دخول شهر رمضان ، وكأنهم يتقربون إلى الله بارتكاب هذا الجرم الشنيع والذي هو في حقيقة الأمر تقرب إلى شيطان الجشع والمطامع وتجاوز لكل معاني الحق والخير ، فضلاً عن كونه تحدياً سافراً للوطن ومشاعر المواطنين الذين يأملون أن يستقبل الجميع هذا الموسم الروحي بمزيد من أعمال البر والتخفيف من أعباء الفقراء وصغار الموظفين الذين أرهقت كواهلهم الاحتياجات الضرورية، وأسوة بما يحدث في أكثر من بلد عربي وإسلامي .
وحتى يكون الحديث صادقاً ومنصفاً لا بد من الإشارة إلى أن المسئولية عن الخلل الذي يصيب الأسواق في هذه المناسبة الكريمة وفي غيرها من الأوقات لا تقع على كاهل التاجر الجشع فحسب ، وإنما تشاركه في مسئولية ما يحدث الحكومة أولاً والشعب ثانياً ، فالحكومة تبدو في غالب الأحيان غائبة أو مغيبة وكأن أمور المواطنين لا تعنيها من قريب أو بعيد لانشغالها بالهم السياسي الذي طغى على كل ما سواه ، يضاف إلى ذلك كثرة الاجتماعات واللقاءات التي لا جدوى منها ، في حين تنسى الحكومة أو تتناسى واجبها الأول وهو الاهتمام بقضايا المواطنين وتوفير احتياجاتهم والضرب بيد من حديد على المتلاعبين بالأسعار وبالعملة ، وإلاَّ فما علاقتها بالشعب وماذا يناله من اجتماعاتها الأسبوعية أو حتى اليومية إن لم تكن للنظر في الشأن العام وإشعار المواطن أنها جزء منه وبأنها موجودة في الأسواق وفي المرافق العامة ، وأن عينها ساهرة على أقوات الناس ومصالحهم . أما مسئولية الشعب تجاه ما يحدث فلها جانبان : الأول أنه يبدو متخاذلاً وعلى درجة من اللامبالاة والاستسلام ما يجعله يستحق ما ينـزل به ، والآخر لأنه صامت لا يشكو ومستسلم لا يبدي اعتراضاً ، ولا يرفع احتجاجه إلى ممثليه في البرلمان وفي المجالس المحلية ويقول لهم أين أنتم وليس لهذا اخترناكم كممثلين لنا في هذه الأجهزة التي ترى وتسمع ولا تطرح من المشكلات إلاَّ العابر والثانوي وكل ما ليس له علاقة مباشرة بالمواطن ، مضافاً إلى ذلك أن شرائح كبيرة من الشعب الفقير تسهم دون أن تدري في رفع الأسعار حين لا تتردد في شراء السلع بأي ثمن كان دون أن ترفض أو تقاوم التصاعد المستمر في أسعار بعض المواد ، وهو تصاعد يثير السخط والاستفزاز لأنه لا يتم بين عام وآخر وإنما بين يوم وآخر فما يكون اليوم بألف ريال نراه في الغد وقد صار بألفين وفق مزاج التاجر ، وهو ما قد يجعل الفوارق واضحة بين بقالة وأخرى .
 إن دول العالم المتقدم الكبير منها والصغير ، رغم انشغالها بهموم في حجمها ومسئوليات في مستوى طموحها لا تسمح بأن يتلاعب المضاربون والسماسرة بلقمة العيش ولا بالاحتياجات الضرورية للمواطنين ولا تسمح باحتكار المواد الغذائية أو السلع الأساسية ، وهي التي تتحكم في استيرادها والإبقاء على تسعيرتها الثابتة أو أن مؤسساتها تشارك على الأقل في الاستيراد والمنافسة في هذا الجانب ، في حين تجعل الأبواب المفتوحة بلا مصاريع في الكماليات وفيما لا يمس الضروريات .
 ومنذ أصبح رغيف العيش والسكر والزيت والحليب في أيدي الجشعين أصبح المواطن تحت رحمتهم ولم يعد للدولة أي معنى أو وجود في وعي الشعب بعد أن صارت مهمتها تتوقف على حراسة أصحاب المليارات المعتصرة من دم الشعب وعرقه ، ومن دموعه.
 


في الثلاثاء 10 أغسطس-آب 2010 07:56:27 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=259