دعوة القوى السّياسية للعودة إلى طاولة الحوار
دكتور/د.عادل الشجاع
دكتور/د.عادل الشجاع
إن ما يجري اليوم من تدخُّل وضرب السيادة الوطنية يحتّم على القوى السياسية اليمنية أن تترك خلافاتها وراء ظهرها وتنجز حواراً حقيقياً، وعلى المجتمع الدولي إدراك أن ما يجري اليوم لليمن يضرب المصالحة الوطنية ويعزّز من حضور المليشيات المسلّحة، فالضربات الجوية التي تتلقّاها اليمن تفتح الباب لانقسام أكثر وتتضاءل أمامها القدرة والرغبة في التسامح؛ وهو ما يعرّض الحوار إلى الخطر؛ خصوصاً إذا ما استمر ذلك التدخُّل فإنه سيسمح بتمدُّد الإرهاب والتطرُّف، وسيعمل على مزيد من انقسام المجتمع اليمني وسيسبّب في تعطيل أو تجميد الحوار؛ بل قد يقضي عليه تماماً خصوصاً أن اليمن أضحت تعاني غياباً واضحاً في الأمن وانتشار فوض السلاح والمليشيات. 
ولست بحاجة إلى القول إن أزمة الشرعية في اليمن هو محور الصراع السياسي بين أغلب المكوّنات، فعدم استقرار الوضع السياسي سيؤدّي إلى استمرار الصراع والتنافس السياسي حول الشرعية ما بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية خصوصاً في ظل التجاذب القائم والذي أصبح على مستوى دول الإقليم. 
على القوى السياسية جميعها إدراك أن الذي يجري اليوم لن يساعد على حل الأزمة؛ بل سيعمل على تراجع الفكر السياسي المعتدل وضعف خطابه، وسيسهم في تعزيز التخندقات هنا وهناك، وسيساعد أيضاً على توفير المناخ الملائم لتنامي الخطر الطائفي الذي سيجد له عروقاً ممتدة داخل الدول الأخرى. 
إن استمرار الحرب في اليمن سيكون له تأثير كبير في عدم الاستقرار وغياب الأمن وحضور العنف بأبشع صوره ويزيد من تعقيدات الوضع الداخلي وصعوبة تحقيق المصالحة الوطنية بين الفرقاء السياسيين. 
لابد أن يدرك الداخل والخارج أن العنف لا يولّد إلا عنفاً، وأن معالجة الأزمة اليمنية بهذه الطريقة ستفاقم المشكلة وستعزّز العنف والإرهاب. 
إن اليمن اليوم تعاني من انهيار تام، والحرب تزيد من هذا الانهيار وإن منعته فلفترة قصيرة، لنا في سوريا وليبيا خير مثال وكذلك العراق والسودان. 
إن القوى السياسية اليمنية بحاجة إلى مراجعة نفسها وتغليب المصلحة الوطنية؛ فهي تدرك أنها تعيش في بلد أضحى غير مستقر بسبب التنافس السياسي والأيديولوجي القاسي، وأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيُدخل البلد في دائرة المجهول ومخاطر الفوضى؛ لذلك فهذه القوى مطالبة بأن تعود إلى طاولة الحوار للحفاظ على ما تبقّى من التماسك الاجتماعي والسياسي؛ لأن مزيداً من التدهور السياسي والأمني لن يكون في صالح البلد. 
نحن اليوم أمام غياب حقيقي للخدمات وحقد سياسي غير مبرّر وغياب للدولة؛ وهذا يحتّم على كل الأطراف الداخلية والخارجية تشجيع لغة الحوار وليس لغة الحرب، فاليمن يحتاج إلى تنمية وليس إلى سلاح، يحتاج إلى حوار وليس إقصاء، يحتاج إلى تعزيز ثقة الوطن بالدولة وليس المليشيات. 
إن استمرار الحرب بهذه الكيفية سيحوّل اليمن إلى بلد منقسم تسوده الفوضى السياسية والهشاشة المؤسساتية، وهنا يبرز سؤال مهم: هل يريد قادة الأحزاب والجماعات السياسية أن يتصرّفوا كقادة الأحزاب أم يريدون أن يكونوا أمراء حرب..؟!. 
الحقيقة هي أن الكل يدرك أن اليمن بحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى المؤسسات الديمقراطية والمدنية، وإعادة الاعتبار إلى المؤسسة العسكرية والأمنية؛ لذلك فإن ضرب ما تبقّى من هاتين المؤسسيين وبنيتهما التحتية لن يعزّز إلا تواجد المليشيات والجماعات الإرهابية، وهي أمنية كذلك من كل يمني ألا تستمر هذه القوى السياسية بإدارة المعركة في اليمن بالوكالة. 
ومثلما ننتظر من الخارج أن يحل مشاكلنا؛ علينا أن نحلّها نحن؛ ولن يكون ذلك إلا بإعادة الاستقرار إلى البلد وغلق باب الأزمات أيّاً كان نوعها. 
تحتاج اليمن إلى دعم اقتصادي يهيّئ لبيئة حضارية ترفض همجية العنف وتُعلي من قيمة السلم الاجتماعي وترفض التفرُّد بالقرار وتقوم على بناء دولة القانون، دولة المؤسسات التي تحترم إرادة الناخبين ومبدأ التداول السلمي للسلطة، بدون الحوار على المصلحة الوطنية العليا افتقدت القوى السياسية لمثل هذا التوجُّه فنتجت عن ذلك صدامات مسلّحة بين مختلف الجماعات والتيارات، هذا الصراع تميّز بغياب القادة الملتزمين بالحوار، والمطلوب اليوم من هذه القوى هو أن تعبّر عن الإرادة الشعبية بدلاً من تعبيرها عن الصراع المناطقي والفئوي والطائفي وغيرها من الممارسات التي تزيد من حدّة الانقسامات؛ فتجعل الطريق نحو الحوار متعثّراً ومليئاً بالعقبات. 
أخيراً يمكن القول إن الجامعة العربية معنية بالحوار بين اليمنيين ويمكنها دعوة الأطراف المتصارعة إلى الحوار تحت قبّة الجامعة، والعمل على لم شمل فُرقاء العمل السياسي وحل النزاع عبر الحوار بما يسهم في الحد من عبث فوضى جماعات العنف وإيجاد مخرج للحرب الدائرة اليوم والتي يدفع ثمنها الشعب اليمني وليس غيره، كما هي دعوة إلى مجلس التعاون الخليجي أن يكون جزءاً من هذا الحوار وأن تكون هناك حلول عاجلة للأزمة اليمنية وقراءتها قراءة صحيحة وفق بُعد استراتيجي وليس آنياً.

في السبت 28 مارس - آذار 2015 09:16:10 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2623