|
عندما خيّر الرئيس رجب طيب اردوغان نظيره الامريكي باراك اوباما بين تركيا والاكراد، لم يكن يدر في خلده حينها، ان الرئيس الامريكي اتخذ قراره بالفعل منذ زمن، وهو ادارة الظهر لحلفائه الاتراك والسعوديين معا، والانسحاب تدريجيا من المنطقة، وتجنب الانجرار الى حروبها الطائفية والعرقية بكل الطرق والوسائل.
الرئيس اوباما اختار الاكراد الذين يحاربون “الدولة الاسلامية” والسوريين منهم على وجه الخصوص، الذين يحظون بدعم بلاده، ودعم السلطات السورية في الوقت نفسه، في واحدة من اكثر مفارقات منطقة “الشرق الاوسط” غرابة.
العلاقات بين تركيا الرئيس اردوغان وشريكتها الاكبر في حلف “الناتو” امريكا، ليست على ما يرام، وتسير من سيء الى اسوأ، وبلغ هذا السوء ذروته عندما رفض الرئيس اوباما لقاء نظيره التركي الذي يزور واشنطن حاليا للمشاركة في مؤتمر قمة الامن النووي، ومثلما رفض دعوته لحضور افتتاح مسجد كبير مولته الحكومة التركية للجالية الاسلامية في ولاية ميريلاند.
***
جون كيربي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الامريكية قال ان جدول اعمال الرئيس اوباما مزدحم باللقاءات، والاجتماعات المعدة مسبقا، ولا توجد اي امكانية لترتيب لقاء خاص مع الرئيس التركي، واكد ان هناك 51 زعيما ومسؤولا كبيرا يشاركون في قمة الامن النووي هذه، والزعيم الوحيد الذي سيلتقيه الرئيس اوباما من بينهم هو نظيره الصيني شي جين بنغ، ولكنه عذر غير مقبول بالنسبة الى الضيف التركي، الذي قبل على مضض بلقاء جو بايدن نائب الرئيس الامريكي الذي حل ضيفا عليه في انقرة قبل شهرين تقريبا، ولا يحمل اللقاء معه اي جديد.
المسؤولون الامريكيون يسربون معلومات للصحافة تقول بأن هناك قناعة لدى البيت الابيض “بان الرئيس اردوغان يفسد الديمقراطية التركية خدمة لطموحات شخصية بالحملات الشرسة التي يشنها ضد وسائل الاعلام، ومن بينها اغلاق صحف ومحطات تلفزة للمعارضة، واعتقال صحافيين”، مثلما قال احد التقارير المسربة، ونشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، ولكن حملات حكومة الرئيس اردوغان ضد معارضية واعلامهم ليست جديدة، ولم تمنع استقباله من قبل الرئيس اوباما عدة مرات على مدى السنوات الثلاث الماضية.
“كلمة السر” التي يمكن ان تفسر هذا التوتر المتصاعد في العلاقات التركية الامريكية تأتي من شقين في رأينا، الاول: هو عدم شن الرئيس التركي حربا حقيقية ضد “الدولة الاسلامية”، والتجاوب مع المطالب الامريكية بارسال قوات الى سورية للقيام بهذا الغرض، والثاني: انهاء الهدنة التي توصل اليها مع حزب العمال الكردستاني، وقصف مواقع قوات الحماية الشعبية الكردية الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، حليف واشنطن.
العاهل الاردني ربما يكون سلط الاضواء على حقيقة الغضب الامريكي من الرئيس اردوغان عندما نسب اليه في وثيقة عن لقاءات اجراها مع اعضاء نافذين في الكونغرس من بينهم جون ماكين رئيس اللجنة العسكرية فيه، قوله “ان الرئيس رجب طيب اردوغان يؤمن بالحل الاسلامي الراديكالي لمشاكل المنطقة، وان وجود جماعات ارهابية اسلامية في اوروبا جزء من استراتيجيته هذه”، ورفضت الحكومة الاردنية نفي هذه التصريحات التي تضمنتها تلك الوثيقة التي ونشرتها صحف ومواقع اخبارية عديدة بناء على طلب السيد احمد داوود اوغلو قبيل زيارته للعاصمة الاردنية قبل ثلاثة ايام.
التهمة التي توجهها ادارة اوباما الى الرئيس التركي هي نفسها التي وجهها الى المملكة العربية السعودية، شريكته في التحالف لاسقاط النظام السوري، وهي دعم “الارهاب”، ولا نعتقد ان العاهل الاردني يقول مثل هذا الكلام الخطير دون ان يكون سمعه من المسؤولين في الادارة الامريكية، ويملك معلومات ايضا في هذا الخصوص، وتبرير بعض المقربين منه، ان سبب عدم نفي ما جاء في هذه الوثيقة يعود الى عدم اهمية الصحف التي نشرتها، قد يتم النظر اليه بانه تبرير غير مقنع في نظر الكثيرين، فلا نعتقد ان صحيفة “الغارديان” البريطانية التي اكدت انها اطلعت على هذه الوثيقة صحيفة غير مهمة، مضافا الى كل ذلك ان العلاقة التركية الاردنية لم تكن على ما يرام طوال السنوات الخمس الاخيرة، وبسبب دعم تركيا لحكومة الرئيس محمد مرسي في مصر وحركات “الاخوان المسلمين” في المنطقة.
***
الادارة الامريكية اعلنت، في رأينا، “الحرب الباردة” على الرئيس اردوغان، وبدأت عملية اخراجه من دائرة الحلفاء بشكل تدريجي، وبتنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته، ليس لقمعه لوسائل الاعلام، فجميع حلفاء امريكا في العالم طغاة يقمعون الحريات السياسية والتعبيرية، ولكن لانه اعتقد خطأ بقدرته على اتخاذ سياسات مستقلة بعيدا عن سياساتها ومخططاتها في المنطقة، وفي الملف السوري على وجه الخصوص.
مسؤول اوروبي كبير قال في احد اللقاءات المغلقة “حجم الرئيس اردوغان تضخم اكثر من اللازم ولا بد ان يعود الى حجمه الطبيعي.. واستخدامه ورقة اللاجئين السوريين للضغط على اوروبا يعتبر تجاوزا لكل الخطوط الحمر”.
ان تطلب الادارة الامريكية من اسر دبلوماسييها وقادتها العسكريين في قاعدة “انجرليك”، وفي مناطق اخرى في جنوب شرق تركيا بالمغادرة بسبب تهديدات ارهابية، ومن رعاياها عدم السفر الى تركيا ربما تكون هي التي تقف خلفها وتحّضر لها، يشكل تهديدا اكبر من التهديدات الارهابية هذه، لانه يعني زعزعة استقرار تركيا، بالتأكيد على انعدام الامن فيها، وتوجيه رسالة الى اكثر من 36 مليون سائح يزورونها سنويا بتغيير وجهتهم الى دول اخرى.
هكذا تعامل امريكا حلفاءها..وهكذا تتخلص منهم، عندما ترى انها اخذت كل شيء منهم، وان دورهم انتهى.
في الجمعة 01 إبريل-نيسان 2016 05:47:07 م