|
اثارت افتتاحية “راي اليوم” التي حملت عنوانا يتساءل “ماذا لو هاجر صادق خان الفائز بمنصب عمدة لندن الكبرى الى دولة عربية وخليجية بالذات؟ اليكم السيناريوهات المختلفة”، الكثير من ردود فعل من قبل قراء كثيرين، يزيد تعدادهم عن مئات الآلاف، بين معجب بالمساواة امام القانون في الدول الغربية، التي لا تمارس التمييز العنصري، او الديني بين مواطنيها، في حدودهما الدنيا، وبين اشقاء في بعض دول الخليج العربي، الذين اعترضوا على انتقاد انظمتهم وقوانينهم، التي تحرم العامل الاجنبي من معظم حقوقه، الطبابة، والتعليم، والاقامة الدائمة، والجنسية، مهما طالت مدة اقامته في الدول التي هاجر اليها بحثا عن عمل، اسوة بالملايين امثاله في العالم الغربي “الكافر الملحد”، وجانب معظم هؤلاء الحد الادنى من آداب الحوار التي شددت عليها عقيدتنا السمعاء.
لا نجادل مطلقا بأن هناك عربا ومسلمين جاءوا الى منطقة الخليج، وتحولوا الى مليونيرات، او حتى مليارديرات، وتبوأ بعض احفادهم مناصب وزارية، ولكننا لا نتحدث هنا عن حالات فردية استثنائية، وانما عن قوانين تمنع الاندماج وتحرمه، وتكرس التمييز، وتسلب العامل العربي الاجنبي ابسط حقوقه في العدالة والمساواة، وترحله اذا ارتكب مخالفة مرور، وتستغل حاجته لسد جوع اطفاله باجور ومعاملة اقرب الى العبودية والسخرة، وجعبتنا مليئة بالامثلة في هذا المضمار.
***
دعونا نعترف اننا كعرب ننظر في معظمنا نظرة عنصرية بغيضة، ليس فقط الى ابناء جلدتنا من دول اخرى، ونغلق الابواب في وجوههم، وانما الى معظم الشعوب الاخرى غير العربية ايضا، فالعامل الهندي، او الموظف الباكستاني، او الخادمة الفلبينية، او السائق السيريلانكي، يواجه نظرات الاحتقار في الكثير من دولنا، وننسى ان هؤلاء الذين جار عليهم الزمان، واجبرتهم الحاجة وظروف العيش، ينتمي بعضهم الى دول نووية، تعيش تجربة رائعة ومشرفة في الديمقراطية والتعايش والمساواة بنص الدستور.
الهند الذي يزيد تعداد سكانها عن مليار ونصف المليار مواطن، ويعتنق مواطنوها اكثر من 150 ديانة، ويتحدثون حوالي 400 لغة، ويشكل المسلمون فيها اقلية تقدم مثلا في التسامح والتعايش، ووصل مسلم فيها الى رئاسة الدولة، ونسوق ذلك مثلا للبعض منا الذي اعمته الثروة عن رؤية الحقائق والبديهيات.
اليس صادما انه عندما كان الملايين من العرب والمسلمين يحتفلون بفوز مسلم بمنصب عمدة مدينة لندن الكبرى، باعتباره حدثا تاريخيا غير مسبوق، ان يذهب البعض منا الى التنقيب عن مذهبه، وهل هو سني او شيعي، ومن توصل الى قناعة بانه “شيعي” بدأ يتحدث عن مواقفه الموالية لليهود، والطعن في صحة اسلامه، بينما اختار البعض الآخر وصفه بالمجوسي الرافضي ابن المتعة، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين سيعرف مدى الهبوط الذي وصل اليه بعضنا.
دعونا نعترف بأن نسبة كبيرة منا عنصريون طائفيون ونتحدث في الوقت نفسه عن الاسلاموفوبيا..، ونحن او البعض منا يمارسها ضد الآخر، بل ابناء البلد الواحد، والمذهب الواحد، والقبيلة الواحدة، ناهيك عن ابناء المذاهب والعقائد الاخرى.
نتعاطف مع اللاجئين السوريين، شريطة ان يذهبوا الى اوروبا، وليس الى بلداننا، والثرية منها خصوصا، التي يجب ان تظل شعوبها نقية من اي اختلاط، رغم ان الشعب السوري شعب معروف بحضاريته وجماله، وايمانه وتعايشه، وابداعه في المجالات كافة، ثم بعد ذلك يدعون الحرص على هذا الشعب ودمائه وارواحه وامنه واستقراره.
اليس غريبا ان الدول العربية التي رحبت باللاجئين السوريين هي الفقيرة المعدمة، والتي لا تملك في معظمها برميلا واحدا من النفط في جوفها، مثل الاردن ولبنان والسودان وتركيا، وتقاسمت لقمة الخبز مع هؤلاء دون اي ثمنن؟
صادق خان لم يفز بمنصب العمدة لانه باكستاني او مسلم، وانما لانه كفؤ، واراد ان يكون بريطانيا اولا، وان يخدم مواطنيه جميعا بغض النظر عن لونهم وعقيدتهم، وعرقهم، واراد ان يرد الجميل للبلد الذي اعطاه الحق في التعليم والطبابة والكرامة والمساواة امام القانون مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الابيض، بل الناصع البياض، ولن نفاجأ اذا ما اصبح في السنوات المقبلة زعيما لحزب العمال، ورئيسا لوزراء بريطانيا، الم يفعلها باراك اوباما الافريقي، ابن المهاجر المسلم من الحبشة؟
صادق خان سيكون مقاتلا شرسا ضد العنصرية والطائفية والاسلاموفوبيا، ولم يكن مفاجئا ان يعلن اليوم، ودون اي تردد، من انه لو فاز دونالد ترامب برئاسة امريكا فانه سيمنعه من دخول الولايات المتحدة بسبب ديانته الاسلامية.
ان يصبح ابن سائق حافلة يقيم في منزل حكومي متواضع تمنحه الدولة للفقراء، اقوى سياسي مسلم الديانة في اوروبا البيضاء فهذه رسالة لكل العنصريين والطائفيين الذين اوصلوا بلداننا الى حالة الحضيض، وسفك الدماء التي نعيشها حاليا، فمدينة لندن الكبرى التي انتخبت هذا المسلم زعيما لها، يزيد عدد سكانها (13 مليون شخص في النهار) عن عدة دول عربية مجتمعة.
صادق خان نسف نظرية صدام الحضارات بين الغرب والاسلام، وقال لصحيفة “التايمز″ انا الغرب، انا اللندني، انا البريطاني، انا المسلم الاسيوي الاصل، الباكستاني التراث، وانا ضد التطرف باشكاله كافة”.
***
برنامج العمل الذي اوصل السيد خان الى العمودية (عمدة)، يتلخص في خدمة ابناء المدينة جميعا على قدم المساواة، وقال ان هذه المدينة التي اعطتني المنزل يجب ان اعطي شبابها الفرص المتساوية في العمل، والاجور الجيدة، والمواصلات الآمنة الراقية، والبيئة الصحية النقية.
النقطة الاهم التي ركز عليها في حملته الانتخابية هي كيفية جعل لندن مدينة التسامح العرقي والديني، حيث يتعايش الجميع تحت خيمتها ويزدهروا بعيدا عن كل انواع التعصب.
العمدة صادق خان تحلى باخلاق الاسلام وآدابه، فلم يهاجم خصومه مطلقا، ولم تصدر عنه كلمة نابية او خارجة عن آداب الحوار، والتخاطب، وهو الذي عانى الكثير من منافسيه المتطرفين من ابناء عقيدته معا ومن والفاظهم الهابطة النابية.
قد نختلف معه في بعض مواقفه السياسية، لاننا اردنا ان نكون في خندق آخر، ونتمسك بهوية مختلفة عن هويته، ولكن هذا لا يمنع ان نحترم تجربته وعصاميته، وخياراته.
عندما نترفع عن الطائفية والعنصرية، ونؤمن بالتسامح والتعايش والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتقديم الكفاءة على ما عداها كمعيار للعمل والقيادة، وهي على اي حال القيم العربية والاسلامية نفسها التي انحرف معظمنا عنها، سنخرج من تخلفنا، ونتخلص من امراضنا، وبندأ خطواتنا نحو الرقي والتقدم.
لا نجادل مطلقا بأن هناك عربا ومسلمين جاءوا الى منطقة الخليج، وتحولوا الى مليونيرات، او حتى مليارديرات، وتبوأ بعض احفادهم مناصب وزارية، ولكننا لا نتحدث هنا عن حالات فردية استثنائية، وانما عن قوانين تمنع الاندماج وتحرمه، وتكرس التمييز، وتسلب العامل العربي الاجنبي ابسط حقوقه في العدالة والمساواة، وترحله اذا ارتكب مخالفة مرور، وتستغل حاجته لسد جوع اطفاله باجور ومعاملة اقرب الى العبودية والسخرة، وجعبتنا مليئة بالامثلة في هذا المضمار.
***
دعونا نعترف اننا كعرب ننظر في معظمنا نظرة عنصرية بغيضة، ليس فقط الى ابناء جلدتنا من دول اخرى، ونغلق الابواب في وجوههم، وانما الى معظم الشعوب الاخرى غير العربية ايضا، فالعامل الهندي، او الموظف الباكستاني، او الخادمة الفلبينية، او السائق السيريلانكي، يواجه نظرات الاحتقار في الكثير من دولنا، وننسى ان هؤلاء الذين جار عليهم الزمان، واجبرتهم الحاجة وظروف العيش، ينتمي بعضهم الى دول نووية، تعيش تجربة رائعة ومشرفة في الديمقراطية والتعايش والمساواة بنص الدستور.
الهند الذي يزيد تعداد سكانها عن مليار ونصف المليار مواطن، ويعتنق مواطنوها اكثر من 150 ديانة، ويتحدثون حوالي 400 لغة، ويشكل المسلمون فيها اقلية تقدم مثلا في التسامح والتعايش، ووصل مسلم فيها الى رئاسة الدولة، ونسوق ذلك مثلا للبعض منا الذي اعمته الثروة عن رؤية الحقائق والبديهيات.
اليس صادما انه عندما كان الملايين من العرب والمسلمين يحتفلون بفوز مسلم بمنصب عمدة مدينة لندن الكبرى، باعتباره حدثا تاريخيا غير مسبوق، ان يذهب البعض منا الى التنقيب عن مذهبه، وهل هو سني او شيعي، ومن توصل الى قناعة بانه “شيعي” بدأ يتحدث عن مواقفه الموالية لليهود، والطعن في صحة اسلامه، بينما اختار البعض الآخر وصفه بالمجوسي الرافضي ابن المتعة، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين سيعرف مدى الهبوط الذي وصل اليه بعضنا.
دعونا نعترف بأن نسبة كبيرة منا عنصريون طائفيون ونتحدث في الوقت نفسه عن الاسلاموفوبيا..، ونحن او البعض منا يمارسها ضد الآخر، بل ابناء البلد الواحد، والمذهب الواحد، والقبيلة الواحدة، ناهيك عن ابناء المذاهب والعقائد الاخرى.
نتعاطف مع اللاجئين السوريين، شريطة ان يذهبوا الى اوروبا، وليس الى بلداننا، والثرية منها خصوصا، التي يجب ان تظل شعوبها نقية من اي اختلاط، رغم ان الشعب السوري شعب معروف بحضاريته وجماله، وايمانه وتعايشه، وابداعه في المجالات كافة، ثم بعد ذلك يدعون الحرص على هذا الشعب ودمائه وارواحه وامنه واستقراره.
اليس غريبا ان الدول العربية التي رحبت باللاجئين السوريين هي الفقيرة المعدمة، والتي لا تملك في معظمها برميلا واحدا من النفط في جوفها، مثل الاردن ولبنان والسودان وتركيا، وتقاسمت لقمة الخبز مع هؤلاء دون اي ثمنن؟
صادق خان لم يفز بمنصب العمدة لانه باكستاني او مسلم، وانما لانه كفؤ، واراد ان يكون بريطانيا اولا، وان يخدم مواطنيه جميعا بغض النظر عن لونهم وعقيدتهم، وعرقهم، واراد ان يرد الجميل للبلد الذي اعطاه الحق في التعليم والطبابة والكرامة والمساواة امام القانون مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الابيض، بل الناصع البياض، ولن نفاجأ اذا ما اصبح في السنوات المقبلة زعيما لحزب العمال، ورئيسا لوزراء بريطانيا، الم يفعلها باراك اوباما الافريقي، ابن المهاجر المسلم من الحبشة؟
صادق خان سيكون مقاتلا شرسا ضد العنصرية والطائفية والاسلاموفوبيا، ولم يكن مفاجئا ان يعلن اليوم، ودون اي تردد، من انه لو فاز دونالد ترامب برئاسة امريكا فانه سيمنعه من دخول الولايات المتحدة بسبب ديانته الاسلامية.
ان يصبح ابن سائق حافلة يقيم في منزل حكومي متواضع تمنحه الدولة للفقراء، اقوى سياسي مسلم الديانة في اوروبا البيضاء فهذه رسالة لكل العنصريين والطائفيين الذين اوصلوا بلداننا الى حالة الحضيض، وسفك الدماء التي نعيشها حاليا، فمدينة لندن الكبرى التي انتخبت هذا المسلم زعيما لها، يزيد عدد سكانها (13 مليون شخص في النهار) عن عدة دول عربية مجتمعة.
صادق خان نسف نظرية صدام الحضارات بين الغرب والاسلام، وقال لصحيفة “التايمز″ انا الغرب، انا اللندني، انا البريطاني، انا المسلم الاسيوي الاصل، الباكستاني التراث، وانا ضد التطرف باشكاله كافة”.
***
برنامج العمل الذي اوصل السيد خان الى العمودية (عمدة)، يتلخص في خدمة ابناء المدينة جميعا على قدم المساواة، وقال ان هذه المدينة التي اعطتني المنزل يجب ان اعطي شبابها الفرص المتساوية في العمل، والاجور الجيدة، والمواصلات الآمنة الراقية، والبيئة الصحية النقية.
النقطة الاهم التي ركز عليها في حملته الانتخابية هي كيفية جعل لندن مدينة التسامح العرقي والديني، حيث يتعايش الجميع تحت خيمتها ويزدهروا بعيدا عن كل انواع التعصب.
العمدة صادق خان تحلى باخلاق الاسلام وآدابه، فلم يهاجم خصومه مطلقا، ولم تصدر عنه كلمة نابية او خارجة عن آداب الحوار، والتخاطب، وهو الذي عانى الكثير من منافسيه المتطرفين من ابناء عقيدته معا ومن والفاظهم الهابطة النابية.
قد نختلف معه في بعض مواقفه السياسية، لاننا اردنا ان نكون في خندق آخر، ونتمسك بهوية مختلفة عن هويته، ولكن هذا لا يمنع ان نحترم تجربته وعصاميته، وخياراته.
عندما نترفع عن الطائفية والعنصرية، ونؤمن بالتسامح والتعايش والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتقديم الكفاءة على ما عداها كمعيار للعمل والقيادة، وهي على اي حال القيم العربية والاسلامية نفسها التي انحرف معظمنا عنها، سنخرج من تخلفنا، ونتخلص من امراضنا، وبندأ خطواتنا نحو الرقي والتقدم.
في الثلاثاء 10 مايو 2016 08:29:03 ص