|
بعد سبع سنوات من الحَربِ الطَّاحِنة في سورية التي من المُفتَرض أن تكون قد أنهَكت الجيش العربي السوري، ناهِيك عن إسقاط النظام، يَرتفِع مَنسوب القَلق في أوساط الدُّوَل التي دَعَمت هذه الحرب، بِطُرقٍ مُباشِرةٍ أو غير مُباشِرة، ونحن نتحدَّث هُنا عن الأُردن ودَولة الاحتلال الإسرائيلي، والوِلايات المتحدة الأمريكيّة، وبعض الدُّوَل الخليجيّة تَحديدًا.
بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يَطير إلى موسكو للِقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرَّة الثالثة مُنذ بِداية العام طالبًا النَّجدة مع اقتراب الجيش السوري من إكمال سَيطرتِه على دَرعا كامِلةً، ونَشر قُوّاتِه في مُواجَهة جبهة الجولان المُحتَل، مع تَزايُد الأنباء عن وجود قُوّات إيرانيّة وأُخرَى تابِعة لـ”حزب الله” بَدأت تبني قَواعِدها في المِنطَقة.
قبل زيارة نِتنياهو للعاصِمة الروسيّة بأيّام حَطَّ الرِّحال السيد أيمن الصفدي، وزير خارجيّة الأُردن، الذي التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، طالبًا استئناف الوِساطة الروسيّة مع فصائِل المُعارضة المُسلَّحة في الجنوب السوري، ومُتَعهِّدًا بأن تتراجَع، أي هذهِ الفَصائِل، عن مُعظَم شُروطِها، وتسليم أسلحتها دُفعةً واحِدة، والخُروج من المَناطِق التي تُسيطِر عليها في جَنوب دَرعا، وهي المِنطَقة التي تَحظى برمزيّة خاصّة بحُكم انطلاق شَرارَة الاحتجاجات ضِد النظام مِنها، وكان لوزير الخارجيٍة الأُردني ما أراد، وفَورًا جَرى استئناف المُفاوضات بعد قَصفٍ روسيٍّ شَرِس رسالته الواضِحة أكّدت أنّه ليس هُناك إلا مَخرَج واحِد مطروح على المائِدة، أي سيناريو الغُوطة الشرقيّة، أو تَحمُّل النتائِج المُترتِّبة على الرَّفض أو المُراوَغة.
***
الأردن يُريد حَلاًّ سريعًا لأزمة الجنوب السوري وعَودة السِّيادة السوريّة لمَعبر نصيب الحُدودي، لتَحقيق هدفين رئيسيين: الأوّل ضمان ضَخ 400 مليون دولار تقريبًا في شرايين المِيزانيّة الأُردنيّة المُتَيبِّسة كعَوائِد الرُّسوم على البضائِع والشاحِنات التي سَتمُر عَبره في الاتّجاهين، والثاني عدم إطالَة أمَد إغلاق الحُدود الأُردنيّة في وَجه 200 ألف نازِح يُرابِط نصفهم في الجانب السوري ينتظرون التَّراجُع عن هذا القَرار، لما يُمكِن أن يَترتَّب على هذا الإغلاق من إحراجاتٍ وضُغوطٍ داخليّة وخارجيّة.
إغلاق الحُدود الأردنيّة في وَجه النازحين السوريين “المُحتَملين” لا يعود إلى ضَخامَة الأعباء الماليّة المُترتِّبة على دُخولِهم إلى الأُردن الذي يُواجِه أزمات ماليّة حادَّة، فهُناك وعود من الأُمم المتحدة ودُوَل مانِحة في تسديد مُعظَم الالتزامات الماليّة، إن لم يَكُن كلها، وإنّما لأسبابٍ أمنيّةٍ بحتة، لأنّ السُّلطات الأُردنيّة تُدرِك جيّدًا أنّ السوريين وحُلفاءهم الإيرانيين قد لا يتناسون بسهولة دور الأُردن في تدريب وتَسليح المُعارضة السوريّة، ونصائِحه المُتكرِّرة للرئيس بشار الأسد بالاستقالة ومُغادَرة البِلاد حَقنًا للدِّماء في بِداية الأزمة، الأمر الذي قد يَترتَّب عليه أعمال انتقاميّة بعد انقشاع ضباب الأزمة، وانتهاء الحرب، وهذا الاحتمال هو مَوضِع بحث الأجهزة الأمنيّة الأُردنيّة بِشَكلٍ مُكَثَّفٍ هذهِ الأيّام.
السَّبب الحقيقيّ لإغلاق الحُدود الأردنيّة هذه المرّة وبِشكلٍ مُحكَم في اعتقاد الكَثيرين هو الخَوف من اندساس خلايا استخباريّة سوريّة مُدرَّبة في أوساط اللاجِئين والإقدام على عمليّاتٍ انتقاميّة في مَرحلةٍ لاحِقة او تسلل عناصر مسلحه معارضه للنظام علي هيئة لاجئين وتنفيذ اعمال عنف تسبب اضطرابات أمنية تزعزع استقرار الاْردن ، .
القلق الإسرائيلي أكبر بكَثير من نظيره الأُردني، فكُل التهديدات الإسرائيليّة التي صَدرت عن نِتنياهو ووزير حربه إفيغدور ليبرمان بمنع وجود أي قُوّات إيرانيّة، أو تابِعة لحزب الله على الأراضي السوريّة فَشِلت فَشَلاً ذَريعًا في تحقيق أهدافِها، وبَدأت تُعطِي نتائِج عكسيّة.
فاللافت أن الغارات الجويّة والصاروخيّة الإسرائيليّة في العُمق السوري لضَرب أهدافٍ إيرانيّة تَوقَّفت، أو تَقلَّصت بِشَكلٍ ملموس، خِشيَة إسقاط الطائرات الإسرائيليّة المُغيرة، وبعد وصول معلومات تُفيد بأنّ إيران ستقوم بالرَّد فِعلاً في المَرّة القادِمة، ولهذا فإنّ التَّهديدات التي أطلقها اليوم جلعاد أردان، وزير الأمن العام الإسرائيلي بِضَرب أي قُوّات سوريّة تَقترِب من الجانِب السُّوري من الجولان المُحتَل لم يتم التَّعاطي مَعها بِغَير السُّخرِيَة والإهمال، لأنّها لم تَعُد لها أي قيمة، ولا تُخيف أحَدًا.
أكثَر ما تخشاه القِيادة الإسرائيليّة في الوَقت الرَّاهِن هو الخِبرَة القِتاليّة العالِية التي اكتَسبها الجيش السوري وحُلفاؤه، سَواء الإيرانيين أو عناصر “حزب الله” والفَصائِل الشيعيّة الأُخرى، التي قاتَلت تحت راياتِهم، فهُناك قاعِدة عسكريّة مَعروفة تقول أنّه بعد أن تَنْتَصِر الجُيوش في حَربٍ ما يَجِب إشغالها في حَربٍ أُخرى، حتى تُوظِّف هذه الخِبرة، والاستفادة من دُروس الحَرب وإبعادها عن السِّياسة، وهذا ما فَعله الرئيس العِراقي صدام حسين بعد انتهاء الحَرب الإيرانيّة عندما غَزَت قُوّاته الكويت، وهذا ما فَعله الرئيسيان حافظ الأسد ومحمد أنور السادات عِندما خاضا حرب عام 1973 بعد هزيمة حزيران المُهينة فَور اكتمال عَمليّة إعادة بناء جَيشيّ البَلدين.
***
الإسرائيليّون يُريدون تَهدِئة جبهة قِطاع غزّة من خلال اتِّفاقٍ طَويلِ الأجَل، للتَّفرُّغ لجَبهة الشمال الأخطَر لأنٍها لا تستطيع دُخول الحَرب على هاتِين الجَبهتين مَعًا، وهذا ما يُفَسِّر الحَديث المُكَثَّف هَذهِ الأيّام عن “سلام اقتصادي” في القِطاع عُنوانه الأبرَز إقامَة مشاريع محطّات كهرباء وتَحلِية مِياه، وسُوق حُرّة في رفح المِصريّة لتخفيف المُعاناة الإنسانيّة لمِليونين من سُكَّانِه، ورَصد مِليار دولار للتَّمويل، وتَزاحُم الوِساطات المِصريّة والقَطريّة والألمانيّة في هذا المِضمار.
النُّقطة الأهَم على جَدول أعمال مُباحَثات نِتنياهو “المَذعور” مع مُضيفِه الرئيس بوتين الأربعاء المُقبِل هي تطوّرات ما بَعد قُرب انتهاء الأزمة السوريّة، ويَصعُب علينا التكهُّن بِما يُمكِن أن تتمخَّض عنه هَذهِ الزِّيارات من نتائج، لكن الأمر المُؤكَّد وبالقِياس إلى اللِّقاءات السَّابِقة، أنّ نِتنياهو قد لا يعود إلى تل أبيب وهو في قِمَّة الاطمئنان، وإلا لما قام بهذه الزِّيارة أوّلاً، ولأن العادَة قد جرت أن يَتقدَّم نِتنياهو بقائِمة من الطَّلبات، أمّا بوتين فلا يُنَفِّذ إلا القَليل منها، وإلا لما وصل الجيش العربي السوري إلى الحُدود الأُردنيّة بهَذهِ السُّرعة بَعد قَصفٍ سجّادي روسي لمَواقِع فصائِل المُعارَضة، رغم وُجود اتِّفاقِ التَّهدِئة المَضمون أمريكيًّا.
witter
بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يَطير إلى موسكو للِقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرَّة الثالثة مُنذ بِداية العام طالبًا النَّجدة مع اقتراب الجيش السوري من إكمال سَيطرتِه على دَرعا كامِلةً، ونَشر قُوّاتِه في مُواجَهة جبهة الجولان المُحتَل، مع تَزايُد الأنباء عن وجود قُوّات إيرانيّة وأُخرَى تابِعة لـ”حزب الله” بَدأت تبني قَواعِدها في المِنطَقة.
قبل زيارة نِتنياهو للعاصِمة الروسيّة بأيّام حَطَّ الرِّحال السيد أيمن الصفدي، وزير خارجيّة الأُردن، الذي التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، طالبًا استئناف الوِساطة الروسيّة مع فصائِل المُعارضة المُسلَّحة في الجنوب السوري، ومُتَعهِّدًا بأن تتراجَع، أي هذهِ الفَصائِل، عن مُعظَم شُروطِها، وتسليم أسلحتها دُفعةً واحِدة، والخُروج من المَناطِق التي تُسيطِر عليها في جَنوب دَرعا، وهي المِنطَقة التي تَحظى برمزيّة خاصّة بحُكم انطلاق شَرارَة الاحتجاجات ضِد النظام مِنها، وكان لوزير الخارجيٍة الأُردني ما أراد، وفَورًا جَرى استئناف المُفاوضات بعد قَصفٍ روسيٍّ شَرِس رسالته الواضِحة أكّدت أنّه ليس هُناك إلا مَخرَج واحِد مطروح على المائِدة، أي سيناريو الغُوطة الشرقيّة، أو تَحمُّل النتائِج المُترتِّبة على الرَّفض أو المُراوَغة.
***
الأردن يُريد حَلاًّ سريعًا لأزمة الجنوب السوري وعَودة السِّيادة السوريّة لمَعبر نصيب الحُدودي، لتَحقيق هدفين رئيسيين: الأوّل ضمان ضَخ 400 مليون دولار تقريبًا في شرايين المِيزانيّة الأُردنيّة المُتَيبِّسة كعَوائِد الرُّسوم على البضائِع والشاحِنات التي سَتمُر عَبره في الاتّجاهين، والثاني عدم إطالَة أمَد إغلاق الحُدود الأُردنيّة في وَجه 200 ألف نازِح يُرابِط نصفهم في الجانب السوري ينتظرون التَّراجُع عن هذا القَرار، لما يُمكِن أن يَترتَّب على هذا الإغلاق من إحراجاتٍ وضُغوطٍ داخليّة وخارجيّة.
إغلاق الحُدود الأردنيّة في وَجه النازحين السوريين “المُحتَملين” لا يعود إلى ضَخامَة الأعباء الماليّة المُترتِّبة على دُخولِهم إلى الأُردن الذي يُواجِه أزمات ماليّة حادَّة، فهُناك وعود من الأُمم المتحدة ودُوَل مانِحة في تسديد مُعظَم الالتزامات الماليّة، إن لم يَكُن كلها، وإنّما لأسبابٍ أمنيّةٍ بحتة، لأنّ السُّلطات الأُردنيّة تُدرِك جيّدًا أنّ السوريين وحُلفاءهم الإيرانيين قد لا يتناسون بسهولة دور الأُردن في تدريب وتَسليح المُعارضة السوريّة، ونصائِحه المُتكرِّرة للرئيس بشار الأسد بالاستقالة ومُغادَرة البِلاد حَقنًا للدِّماء في بِداية الأزمة، الأمر الذي قد يَترتَّب عليه أعمال انتقاميّة بعد انقشاع ضباب الأزمة، وانتهاء الحرب، وهذا الاحتمال هو مَوضِع بحث الأجهزة الأمنيّة الأُردنيّة بِشَكلٍ مُكَثَّفٍ هذهِ الأيّام.
السَّبب الحقيقيّ لإغلاق الحُدود الأردنيّة هذه المرّة وبِشكلٍ مُحكَم في اعتقاد الكَثيرين هو الخَوف من اندساس خلايا استخباريّة سوريّة مُدرَّبة في أوساط اللاجِئين والإقدام على عمليّاتٍ انتقاميّة في مَرحلةٍ لاحِقة او تسلل عناصر مسلحه معارضه للنظام علي هيئة لاجئين وتنفيذ اعمال عنف تسبب اضطرابات أمنية تزعزع استقرار الاْردن ، .
القلق الإسرائيلي أكبر بكَثير من نظيره الأُردني، فكُل التهديدات الإسرائيليّة التي صَدرت عن نِتنياهو ووزير حربه إفيغدور ليبرمان بمنع وجود أي قُوّات إيرانيّة، أو تابِعة لحزب الله على الأراضي السوريّة فَشِلت فَشَلاً ذَريعًا في تحقيق أهدافِها، وبَدأت تُعطِي نتائِج عكسيّة.
فاللافت أن الغارات الجويّة والصاروخيّة الإسرائيليّة في العُمق السوري لضَرب أهدافٍ إيرانيّة تَوقَّفت، أو تَقلَّصت بِشَكلٍ ملموس، خِشيَة إسقاط الطائرات الإسرائيليّة المُغيرة، وبعد وصول معلومات تُفيد بأنّ إيران ستقوم بالرَّد فِعلاً في المَرّة القادِمة، ولهذا فإنّ التَّهديدات التي أطلقها اليوم جلعاد أردان، وزير الأمن العام الإسرائيلي بِضَرب أي قُوّات سوريّة تَقترِب من الجانِب السُّوري من الجولان المُحتَل لم يتم التَّعاطي مَعها بِغَير السُّخرِيَة والإهمال، لأنّها لم تَعُد لها أي قيمة، ولا تُخيف أحَدًا.
أكثَر ما تخشاه القِيادة الإسرائيليّة في الوَقت الرَّاهِن هو الخِبرَة القِتاليّة العالِية التي اكتَسبها الجيش السوري وحُلفاؤه، سَواء الإيرانيين أو عناصر “حزب الله” والفَصائِل الشيعيّة الأُخرى، التي قاتَلت تحت راياتِهم، فهُناك قاعِدة عسكريّة مَعروفة تقول أنّه بعد أن تَنْتَصِر الجُيوش في حَربٍ ما يَجِب إشغالها في حَربٍ أُخرى، حتى تُوظِّف هذه الخِبرة، والاستفادة من دُروس الحَرب وإبعادها عن السِّياسة، وهذا ما فَعله الرئيس العِراقي صدام حسين بعد انتهاء الحَرب الإيرانيّة عندما غَزَت قُوّاته الكويت، وهذا ما فَعله الرئيسيان حافظ الأسد ومحمد أنور السادات عِندما خاضا حرب عام 1973 بعد هزيمة حزيران المُهينة فَور اكتمال عَمليّة إعادة بناء جَيشيّ البَلدين.
***
الإسرائيليّون يُريدون تَهدِئة جبهة قِطاع غزّة من خلال اتِّفاقٍ طَويلِ الأجَل، للتَّفرُّغ لجَبهة الشمال الأخطَر لأنٍها لا تستطيع دُخول الحَرب على هاتِين الجَبهتين مَعًا، وهذا ما يُفَسِّر الحَديث المُكَثَّف هَذهِ الأيّام عن “سلام اقتصادي” في القِطاع عُنوانه الأبرَز إقامَة مشاريع محطّات كهرباء وتَحلِية مِياه، وسُوق حُرّة في رفح المِصريّة لتخفيف المُعاناة الإنسانيّة لمِليونين من سُكَّانِه، ورَصد مِليار دولار للتَّمويل، وتَزاحُم الوِساطات المِصريّة والقَطريّة والألمانيّة في هذا المِضمار.
النُّقطة الأهَم على جَدول أعمال مُباحَثات نِتنياهو “المَذعور” مع مُضيفِه الرئيس بوتين الأربعاء المُقبِل هي تطوّرات ما بَعد قُرب انتهاء الأزمة السوريّة، ويَصعُب علينا التكهُّن بِما يُمكِن أن تتمخَّض عنه هَذهِ الزِّيارات من نتائج، لكن الأمر المُؤكَّد وبالقِياس إلى اللِّقاءات السَّابِقة، أنّ نِتنياهو قد لا يعود إلى تل أبيب وهو في قِمَّة الاطمئنان، وإلا لما قام بهذه الزِّيارة أوّلاً، ولأن العادَة قد جرت أن يَتقدَّم نِتنياهو بقائِمة من الطَّلبات، أمّا بوتين فلا يُنَفِّذ إلا القَليل منها، وإلا لما وصل الجيش العربي السوري إلى الحُدود الأُردنيّة بهَذهِ السُّرعة بَعد قَصفٍ سجّادي روسي لمَواقِع فصائِل المُعارَضة، رغم وُجود اتِّفاقِ التَّهدِئة المَضمون أمريكيًّا.
witter
في الجمعة 06 يوليو-تموز 2018 02:14:25 م