|
لأربع مرات كرر المبعوث الدولي مارتن غريفث في أول مؤتمر صحفي له في هذه المشاورات في عبارة أنه غير متفاءل ولكنه طموح ، أعتقد أنه بعد تلقي هذا التكرار قلل الجميع من نسبة توقع نجاح المشاورات بما يتناسب مع الأزمة في اليمن ، يدرك غريفث حجم التباعد بين الأطراف المختلفة ومدى إمكانية الأجواء في ستوكهولم أن تكون مشجعة لقطع مسافة في الهوة القائمة .
قد تستغرق المشاورات أسبوعا وقد تنتهي في أيام فليس هناك خطة مزمنة وجميع الأطراف ماذا سيناقشون في التالي إلا قبيل الجلسات بوقت قصير جدا ، الشيء الوحيد الذي يلمس من جميع الأطراف أن هناك توافق شبه كامل على تبادل الأسرى ، النقطة الخلافية هي عدد وكشوفات الأسماء ، وهل الكل مقابل الكل أم أن هناك أسماء معينة سيتم التحفظ عليها ، بيد أن الاتفاقية الموقعة ، والحقيقة أنها وقعت قبل أكثر من شهرين بحسب التصريحات المتداولة ، تنص على الكل مقابل الكل
الوفد الوطني الذي جاء من صنعاء تعامل بدهاء كبير عندما تحدث أنه يجب أن يتضمن التبادل سجناء الإصلاح ” الإخوان المسلمين في اليمن ” المحتجزين في سجون سرية تشرف عليها الإمارات ، اثارة هذا البعد أحرج التحالف لإن هولاء المسجونين يعدون خصوم أنصارالله والقوى الحليفة لهم ، فأن يتحدثون عنهم فذلك فيه كثير من التسامح ، عدا أن ذلك ينطوي على كثير من الدلالات والرسائل لمختلف الأطراف من بينها الإيحاء بأن الشرعية الحقيقة لهذا الفريق الذي يهمهم كل أبناء اليمن بغض النظر عن الخلافات والإنتماءات ، والدلالة الأخرى أن تمثيل الإصلاح هذه المرة أقل بكثير من الجولات الماضية عدد وحجما ، ربما كانت هذه أول النقاط التي كسبها وفد صنعاء “التشاوري “
المشاورات تحتاج الكثير من اجراءات بناء الثقة ، هذا الأمر لايزال بعيد المنال ، ويحتاج إلى جسرين من البناء ، جسر يتعلق ببناء الثقة بين الفرقاء اليمنيين وجسر آخر يتعلق ببناء الثقة بين صنعاء والرياض وصنعاء والإمارات ، يبدو أن المبعوث الدولي يدرك أيضا صعوبة تحقيق ذلك على الأقل حاليا ، حتى لو تم تبادل الأسرى ، فهذا البند بكل تأكيد لا يبني الثقة لأن الجميع يعتبر أن هذا إنجاز يحققه ويعيد أسراه والمعتقلين إلى بيوتهم وأطفالهم
الملف الإقتصادي
يتعلق الملف بأكثر النقاط حساسية ، أقصد هنا ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي ، بالإضافة للبنك المركزي ، يصر وفد الرياض على ضرورة تسليم الميناء ، هذا الأمر ليس مقبولا بالنسبة لصنعاء ولن يقدموا تنازلا أكثر من القبول بدور إشرافي ورقابي للامم المتحدة وهذا ما يتم تأكيده كثيرا ومع كل نقاش حول ذلك ، ينسحب الأمر على مطار صنعاء الدولي ، فالتاكيد هنا يتجه نحو ضرورة فتحه دون شروط ، لا يبدو أن الأمر معجبا للسعودية ولا يستطيع المبعوث الدولي أن يضغط كثيرا وربما قوبلت ضغوطه بالرفض ، وهذه النقطة تقف حجرة عثرة أمام تطبيع الوضع الإقتصادي ، وبالتالي أمام بناء الثقة وقطع مسافة جديدة نحو الحل السياسي الشامل ، المطلوب الوصول إليه
هناك الكثير من الظلم والكثير من العناد السعودي الإماراتي والكثير من العجز الأممي ، فإغلاق مطار صنعاء الدولي ، وهو المطار المدني الذي لا يفهم الإصرار السعودي على إغلاقه وتعقيد الوضع الإنساني والإقتصادي ، رغم أنه مؤثر عسكري ولن يضيف شيئا للعجز العسكري للتحالف إن استمر مغلق ، ومثله تهديد ميناء الحديدة ، ولكن لا يبدو أن يترك أي جسرا جويا ولا بريا ولا بحريا يوصل صنعاء بالعالم
الحل السياسي المعقد ” وغير المعقد “
رئيس الوفد التفاوضي لصنعاء محمد عبدالسلام ، يؤكد على ضرورة الإتفاق الإطار العام للحل السياسي الشامل ، الحديث هنا يتعلق بمرحلة انتقالية جديدة قبل أو بالتزامن مع وضع أطر للملف العسكري والأمني ، فالتوافق على مرحلة انتقالية وإيجاد حكومة توافقية إنقاذية أي كان الأسم سيسهل من حللة الوضع العسكري المعقد ، خاصة من نشوء مجموعات مسلحة مختلفة الإنتماءات والولاءات ، لكن هذه الخارطة هي الأخرى متعثرة رغم أنها تبدو مقبولة لدى الأمم المتحدة وأطراف دولية أخرى بحسب نقاشات واستنتاجات لا تزال تحمل وتتوارد منذ مفاوضات جنيف الأولى التي عقد في الألفبن وخمسة عشر
الطرف الأخر يمسك بالقرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني ، هذا يعني تلقائيا الوصول إلى دائرة مفرغة لم يتم تجاوزها خلال جولات المفاوضات الثلاث ، أين يقف المبعوث الدولي في هذا الإطار ؟
عندما وجهت إليه أسئلة بهذا الخصوص ، حاولا ألا يكون واضحا ولا جازما ، مثلما يريد التحالف ، يرى النتائج سلفا قبل أن يناقش الأطراف ، سمع كثيرا في هذا قبل المجيء إلى ستوكهولم ، ولا يرى في المقابل أي تقارب بين الوفدين فيما يتعلق بالحل السياسي ، جوهر العملية التفاوضية
فرصة لمخاطبة المجتمع الدولي والرأي العام
وفد صنعاء يجد أن الأهم من المشاورات مع وفد الرياض هو مخاطبة المجتمع الدولي من خلال التواجد في السويد وتقديم رؤيته للرأي العام الذي يراقب هذه الجولة من المشاورات التي جاءت بعد أكثر من عام على توقف المفاوضات السياسية ، هو في ستوكهولم بفريق إعلامي وسياسي أكبر ، ويبدو حتى أنه أنشط في هذا الإطار ، بينما يستند الطرف الآخر على تواجد أكثر من عشرين سفيرا يتواجدون بصورة مباشرة ولكنهم لا يشاركون في الجلسات ، من بين السفراء سفراء عدد من الدول داعمة للعدوان والحرب على اليمن ، ابرز السفراء ماثيو تولر السفير الأمريكي الذي يحضر في آخر ايامه كسفيرا لبلاده في اليمن
وأخيرا
الكثير اعتقد ومعه كل الحق أن هذه المشاورات تأتي في ظروف اقليمية ودولية مختلفة كثيرا عن الجولات السابقة ، ربما كاتت ستخدم نجاح المشاورات ، ولكن للأسف رغم كل ذلك سقف النجاح لا يزال ضئيلا إن لم يكن منعدما
كاتب وصحفي يمني
في الإثنين 10 ديسمبر-كانون الأول 2018 10:37:04 ص