|
كان واضِحًا، أنّ المجلس العسكري السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ومنذ اليوم الأوّل لوصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، لم يكُن أيّ ود للحِراك الشعبي السوداني، ويتحيّن الفُرص لوقف الاعتصامات مُكرّرًا تجربة نظيره العسكري في مِصر، بطريقةٍ أو بأخرى، ولهذا لم يكُن من قبيل المُفاجأة أن تُقدِم القوّات المُوالية لهذا المجلس على ارتكاب مجزرة دمويّة في حق المُعتصمين المُسالمين، واستخدام القوّة المُفرطة، والرّصاص الحيّ ضد المُعتصمين السلميين، ممّا أدّى إلى سُقوط 30 قتيلًا وعشَرات الجرحى حتّى كتابة هذه السطور.
انخِراط المجلس العسكري في مُفاوضات مع قادة حركة الاحتجاج طِوال الأسابيع الماضية كان في إطار خطّة خادعة لكسب الوقت، وترتيب أوضاعه المحليّة والإقليميّة، لأنّه لم يرِد مُطلقًا تسليم السلطة إلى هيئة حكم مدنيّة، ولا حتّى إشراك إعلان الحريّة والتّغيير في السلطة، ولو حتى في إطار شراكةٍ صوريّة.
المجلس العسكري السوداني غدر بالمُحتجّين وطعنهم في الظّهر، ولا يُمكن أن يكون أهل ثقة ويستحق التّحاور معه بالتّالي، وقد يكون نجح فعلًا في فض الاعتصام الشعبي بالقوّة، ولكنّه قطعًا لن يقضي على الثّورة، بل سيزيدها اشتِعالًا بارتِكابه هذه المجازر.
***
منذ أن خلع الجنرال البرهان بزّته العسكريّة، واستبدلها بأُخرى مدنيّة، ومُشاركته في تمثيل بلاده في قمّتي مكّة العربيّة والإسلاميّة، مُحتَلًّا مِقعد السودان، دون وجود ممثّل واحد من الحِراك ضمن وفده، بدا واضحًا أن الرجل يسير على خُطى الرئيس السابق عمر البشير، وبطريقةٍ أكثر دمويّة، ويُريد الاستئثار بالسّلطة، وكُل الاتّهامات التي وجّهها إلى سلفه بأنّه كان يُخطّط لإنهاء الحِراك بالقوّة، محض أكاذيب لتسهيل وصوله إلى قمّة الحُكم، وخِداع الحِراك والشعب السوداني الذي يُمثّله.
الجنرال البرهان كان يتصرّف مُنذ اليوم الأوّل كديكتاتور مُتعطّش للسّلطة باتّخاذه قرارات سياديّة استراتيجيّة، وبمعزلٍ عن الحِراك، ودون أن يملك أيّ شرعيّة أو تفويض، تمثّلت في الاستمرار في البقاء في إطار التّحالف السعودي الإماراتي في حرب اليمن، والسّير على نهج التّجربة المِصريّة، والوقوف في الخندق الأمريكيّ في مُواجهة محور المُقاومة، وصفقة القرن.
الثورة المدنية السودانية ستزداد اشتعالًا خاصّةً بعد إعلان حزب الأمّة بقيادة السيّد الصادق المهدي مُعارضته لفض الاعتصام، في انقلابٍ كاملٍ على مواقفه السّابقة التي كانت تُؤيّد قيادة المجلس العسكري للبِلاد في مرحلةٍ انتقاليّة، وهذا الموقف الحاسِم لأكبر الأحزاب السودانيّة، يأتي اعترافًا بفشل سياسات المُهادنة ومسك العصا من المُنتصف التي سار على نهجها مُنذ بداية الحِراك، اعتقادًا منه بوطنيّة المجلس العسكري وصدّق نواياه، وهو ما ثَبُت خطأه.
***
الفريق البرهان ونائبه “حميدتي” يقودان البِلاد إلى حالةٍ من الفوضى وعدم الاستقرار، والتّأسيس لنظامٍ عسكريٍّ قمعيٍّ ديكتاتوريٍّ، وهذا يعني العودة بالبِلاد إلى المُربّع الأوّل، وسرقة كُل إنجازات الحِراك الشعبي، وتدميرها، وهذا تصرّفٌ لا يُمكن أن يقبله الشعب السوداني الصّابر الطيّب المثقف الواعي، ولهذا لن يُفرّط بحراكه السلميّ، وسيُصعّد حتى الإطاحة بالمجلس العسكري، وبناء الدولة الديمقراطيّة المدنيّة، التي قدّم الشّهداء للوصول إليها.
انقلاب المجلس العسكري على الحِراك الشعبي بهذه الصورة الدمويّة، أسّس، ويُؤسّس، لخسارته للشعب السوداني وثقته ودعمه، ولا نستبعِد انقلابًا ثالثًا أو رابعًا، أو حُدوث انشقاقات وتمرّد في الجيش على قيادته، لأنّ الجيش السوداني الذي انحاز للحِراك ومَطالبه العادلة، لن يقبل بهذا الغدر وسفك دماء الشعب السوداني وثورته السلميّة الحضاريّة، ومطالبها العادِلة في الحريّة والمُساواة والعدالة الاجتماعيّة في إطار الدولة المدنيّة الديمقراطيّة.. والأيّام بيننا.
Print Friendly, PDF & Email
في الثلاثاء 04 يونيو-حزيران 2019 08:11:05 م