|
انتظرنا أن نطّلع على بيان سواء من الدولة الداعية (أمريكا)، أو الدولة المُضيفة (البحرين)، على أسماء الدّول المُشاركة في هذا المُؤتمر، ولكنّ هذا الانتظار طال حتى بِدء جلساته، وتَربُّع جاريد كوشنر رئيسه على المنصّة والبَدء في إلقاء مُحاضرته كالأستاذ، واستعراض خبراته العقاريّة أمام الحُضور الذين احتشدوا على استحياء للاستماع إليه، والاطّلاع على وسائل إيضاحاته، ولوحات أرقامه، مُتجنُبين في الوقت نفسه عدسات كاميرات التّصوير حتى لا تُوثّق فضيحتهم.
في هذه اللّحظات المِفصليّة في تاريخ الأمم تَظهر معادن الرّجال، وتتجسّد قيم الشّرف والكرامة والوطنيّة، ونشهد أنّ الذين قاطَعوا مِصيدة الخيانة هذه، هم الفِرقة الناجية، التي تبرّأت من هذا الدّنس، وفضّلت تجنّب التلوّث بكُل أدرانه ونجاسته، داخِله صفحات التّاريخ المُشرّفة من أوسع أبوابها.
***
نتّفق مع العبارة الأقوى التي وردت في خِطاب كوشنر وقال فيها إنّها “ليست صفقة القرن وإنّما فُرصة القرن”، نعم إنّها فرصة القرن أرادها أن تكون نُقطة الانطلاق “لتعريب” خطوات تصفية القضيّة الفِلسطينيّة التي يقودها وحماه الرئيس، ومجموعة من اليهود الصّهاينة، وكبيرهم الذي علّمهم العنصريّة والاضّطهاد، والقتل، والاغتصاب، بنيامين نِتنياهو.
كُنّا من بين المُستمعين عن بُعد لخِطاب كوشنر، ولم يُفاجئنا عندما لم يتلفّظ بكلمةِ الدولة الفِلسطينيّة، وكان يقول “الناس” في إشارةٍ إلى أهلنا في غزّة.. وفي الضفّة الغربيّة، وكأنّه يقول إنّ هؤلاء ليسوا شعبًا، بل ليسوا بشرًا، مُجرّد أرقام بلا هويُة، وبلا اسم، ويجِب التّعاطي معهم على هذا الأساس فقط، أمّا السّادة والجنس النّقي فهم الإسرائيليّون، ونستغرِب لماذا لم يُصفّق له الحُضور وهو يستمع إلى هذهِ “الدّرر”.
أُمارس مِهنة الصُحافة والكِتابة مُنذ أربعين عامًا، ولم يخطر في ذهني في أيّ يوم من الأيُام أن أرى الصّحافيين الإسرائيليين يتجوّلون بكُل حريّة وأمان في عاصمةٍ عربيّة، وزادت المرارة في الحلق عندما شاهدت هؤلاء يتباهون بجوازات سفرهم الإسرائيليّة أمام كاميرات زُملائهم المُصوّريين الإسرائيليين، وكأنّهم يمدّون ألسنتهم لنا وإعلاميين مِثلنا.
أن يتواجد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في الصّفوف الأولى، الذي ما زالت آثار دماء ثلاثة ملايين من أطفال العِراق وماجداته ورجاله الأبرار على يديه، فهذا يكفي لتخليص واختصار العناوين الرئيسيّة للمُخطّط الأمريكيّ الإسرائيليّ الذي ينطلق قِطاره من المنامة لوضع المِنطقة العربيّة تحت الانتِداب الإسرائيلي، وصولًا إلى إسرائيل الكُبرى.
كوشنر وفي مُقابلته التي خصّ بها قناة “الجزيرة” تعاطى باحتقارٍ شديدٍ مع مُبادرة السلام العربيّة التي صَدّع قادة عرب رؤوسنا بتِكرار الحديث عنها، والعُروض المُغرية للتّطبيع التي تضمّنتها، عندما قال إنُها لم تُحقّق السلام، ولا بُد من صيغة وسط بينها وبين الموقف الإسرائيلي، وكأنّه يُوجّه اللوم لأصحاب حُقوق النّشر على فشلها، ولم يقُل لنا أنّ هذا الموقف الإسرائيلي هو ابتلاعُ كُل فِلسطين وطرد أهلها، ومحوِها إلى الأبد من خريطة المِنطقة.
لا نعرف كيف يجلس مُمثّلي حُكومات عربيّة وكأنّ على رؤوسهم الطّير، وكوشنر يقول لهم إنّ إسرائيل دولة ذات سيادة، ومن حقّها أن تُحدّد عاصمتها، وكأنّ هذه العاصمة (القدس) ليس لها أيّ قيمة دينيّة أو معنويّة أو وطنيّة لدى مُعظم المُشاركين.. أين النّخوة والعزّة والكرامة والعقيدة؟
الذين حضروا مؤتمر المنامة لم يكن حُضورهم من أجل القدس، أو فِلسطين، أو لنصرة أيّ قضيّة عربيُة، أو إسلاميّة، وإنّما من أجلِ إظهار ولائهم للرئيس ترامب وصِهره، وإظهار دعمهم لحُروبه الوشيكة التي ستُدمّر دولهم قبل تدمير دولة إسلاميّة اسمها إيران، فهؤلاء سيكونون وقود هذه الحرب وأحد أبرز أهدافها إلى جانب صديقتهم الجديدة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
الحق العربي الإسلامي لم يمُت بصُدور وعد بلفور، ولم يندثر من جرّاء نكبة عام 48، ولا نكسة عام 67، ولن تمحوه صفقة قرن كوشنر وحماه ترامب، وكُل المُتواطئين العرب اللّذين هرولوا إلى المنامة بإشارةٍ من إصبعه.. الحق العربي سيظل راسِخًا وستتم نُصرته على أيدي ملايين الرّجال الشّرفاء، وما أكثرهم في هذه الأمّة.
الشعب الفِلسطيني الذي جرى حِصاره وتجويعه في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة ومُخيّمات اللّجوء في دول الجِوار لن يقبل هذه الرّشوة المَسمومة، وكُل تريليونات العالم لن تُغريه بالتّنازل عن يافا وحيفا والقدس وعسقلان، وكُل النّجوع والقُرى والمُدن الفِلسطينيّة الأخرى، وسينزل إلى ساحات المُقاومة بكُل أشكالها مُضحّيًا بحياته ودمائه مِثلما فعل شبابه وماجداته في القدس ونابلس وجنين وغزّة، إنّهم لا يعرِفون هذا الشّعب، وسيعرفونه قريبًا بإذن الله.
***
الثّورة الفِلسطينيّة لم تتفجر من أجل محطّة كهرباء، أو محطّة تحلية، أو مشاريع خلق وظائف، أو تخفيض نسبة الفِقر، مثلما قال كوشنر، وإنّما من أجل ثوابِت العودة، وتحرير فِلسطين، كُل فِلسطين من النّهر إلى البحر، وليقُل كوشنر ورهطه ما يشاء.
نكتُب بعاطفةٍ، ونترُك الفذلكات لمن يُطلِقون على أنفسهم صفة المُحلّلين والخُبراء، فهذا زمن الصُحوة والتّوعية والوقوف في خندق المُقاومة، فأين أوصلتنا تحليلات المُحلّلين المُعتدلين وخُبراء بيع الوهم؟ لأنّ الخطر القادم على الأمّتين العربيّة والإسلاميّة خطيرٌ جدًّا، ولا يُمكن مُواجهته بالاستسلام تحت عُنوان “العقلانيّة” والقُبول بالفُتات، والمُقدّسات وأرضها تُهوّد أمام أعيُننا.
شكرًا لكُل الدول التي رفضت أن تكون جُزءًا من هذه المُؤامرة، ولم تُشارك فيها، رضوخًا لإملاءات كوشنر ورئيسه، شكرًا من القلب للبنان والعِراق والكويت والجزائر، وكل الدول العربيّة الأخرى التي فضّلت النّأي بنفسها عن هذه المِصيدة الإسرائيليّة، وانحازت إلى الكرامة الوطنيّة والثّوابت العربيّة والإسلاميّة، ولا ننسى في هذه العُجالة شُعوب المغرب وتونس واليمن ومِصر، وكُل الشّعوب الأُخرى التي انتفضت وانتَصرت لفِلسطين وأقصاها.
كُل من شارك في هذه المُؤامرة ويُوظّف أموال الأمّة في دعمها وتمريرها سيدفع ثمنًا باهظًا، فالزّمن يتغيّر والمُعادلات تتغيّر، والسّنوات السّمان بدأت وبسرعةٍ قياسيّةٍ، وثقافة المُقاومة، ورايات رِجالها تعود وقد يكون الفضل بصفقة القرن وكوشنر وحوارييه.. والأيّام بيننا.
في هذه اللّحظات المِفصليّة في تاريخ الأمم تَظهر معادن الرّجال، وتتجسّد قيم الشّرف والكرامة والوطنيّة، ونشهد أنّ الذين قاطَعوا مِصيدة الخيانة هذه، هم الفِرقة الناجية، التي تبرّأت من هذا الدّنس، وفضّلت تجنّب التلوّث بكُل أدرانه ونجاسته، داخِله صفحات التّاريخ المُشرّفة من أوسع أبوابها.
***
نتّفق مع العبارة الأقوى التي وردت في خِطاب كوشنر وقال فيها إنّها “ليست صفقة القرن وإنّما فُرصة القرن”، نعم إنّها فرصة القرن أرادها أن تكون نُقطة الانطلاق “لتعريب” خطوات تصفية القضيّة الفِلسطينيّة التي يقودها وحماه الرئيس، ومجموعة من اليهود الصّهاينة، وكبيرهم الذي علّمهم العنصريّة والاضّطهاد، والقتل، والاغتصاب، بنيامين نِتنياهو.
كُنّا من بين المُستمعين عن بُعد لخِطاب كوشنر، ولم يُفاجئنا عندما لم يتلفّظ بكلمةِ الدولة الفِلسطينيّة، وكان يقول “الناس” في إشارةٍ إلى أهلنا في غزّة.. وفي الضفّة الغربيّة، وكأنّه يقول إنّ هؤلاء ليسوا شعبًا، بل ليسوا بشرًا، مُجرّد أرقام بلا هويُة، وبلا اسم، ويجِب التّعاطي معهم على هذا الأساس فقط، أمّا السّادة والجنس النّقي فهم الإسرائيليّون، ونستغرِب لماذا لم يُصفّق له الحُضور وهو يستمع إلى هذهِ “الدّرر”.
أُمارس مِهنة الصُحافة والكِتابة مُنذ أربعين عامًا، ولم يخطر في ذهني في أيّ يوم من الأيُام أن أرى الصّحافيين الإسرائيليين يتجوّلون بكُل حريّة وأمان في عاصمةٍ عربيّة، وزادت المرارة في الحلق عندما شاهدت هؤلاء يتباهون بجوازات سفرهم الإسرائيليّة أمام كاميرات زُملائهم المُصوّريين الإسرائيليين، وكأنّهم يمدّون ألسنتهم لنا وإعلاميين مِثلنا.
أن يتواجد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في الصّفوف الأولى، الذي ما زالت آثار دماء ثلاثة ملايين من أطفال العِراق وماجداته ورجاله الأبرار على يديه، فهذا يكفي لتخليص واختصار العناوين الرئيسيّة للمُخطّط الأمريكيّ الإسرائيليّ الذي ينطلق قِطاره من المنامة لوضع المِنطقة العربيّة تحت الانتِداب الإسرائيلي، وصولًا إلى إسرائيل الكُبرى.
كوشنر وفي مُقابلته التي خصّ بها قناة “الجزيرة” تعاطى باحتقارٍ شديدٍ مع مُبادرة السلام العربيّة التي صَدّع قادة عرب رؤوسنا بتِكرار الحديث عنها، والعُروض المُغرية للتّطبيع التي تضمّنتها، عندما قال إنُها لم تُحقّق السلام، ولا بُد من صيغة وسط بينها وبين الموقف الإسرائيلي، وكأنّه يُوجّه اللوم لأصحاب حُقوق النّشر على فشلها، ولم يقُل لنا أنّ هذا الموقف الإسرائيلي هو ابتلاعُ كُل فِلسطين وطرد أهلها، ومحوِها إلى الأبد من خريطة المِنطقة.
لا نعرف كيف يجلس مُمثّلي حُكومات عربيّة وكأنّ على رؤوسهم الطّير، وكوشنر يقول لهم إنّ إسرائيل دولة ذات سيادة، ومن حقّها أن تُحدّد عاصمتها، وكأنّ هذه العاصمة (القدس) ليس لها أيّ قيمة دينيّة أو معنويّة أو وطنيّة لدى مُعظم المُشاركين.. أين النّخوة والعزّة والكرامة والعقيدة؟
الذين حضروا مؤتمر المنامة لم يكن حُضورهم من أجل القدس، أو فِلسطين، أو لنصرة أيّ قضيّة عربيُة، أو إسلاميّة، وإنّما من أجلِ إظهار ولائهم للرئيس ترامب وصِهره، وإظهار دعمهم لحُروبه الوشيكة التي ستُدمّر دولهم قبل تدمير دولة إسلاميّة اسمها إيران، فهؤلاء سيكونون وقود هذه الحرب وأحد أبرز أهدافها إلى جانب صديقتهم الجديدة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
الحق العربي الإسلامي لم يمُت بصُدور وعد بلفور، ولم يندثر من جرّاء نكبة عام 48، ولا نكسة عام 67، ولن تمحوه صفقة قرن كوشنر وحماه ترامب، وكُل المُتواطئين العرب اللّذين هرولوا إلى المنامة بإشارةٍ من إصبعه.. الحق العربي سيظل راسِخًا وستتم نُصرته على أيدي ملايين الرّجال الشّرفاء، وما أكثرهم في هذه الأمّة.
الشعب الفِلسطيني الذي جرى حِصاره وتجويعه في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة ومُخيّمات اللّجوء في دول الجِوار لن يقبل هذه الرّشوة المَسمومة، وكُل تريليونات العالم لن تُغريه بالتّنازل عن يافا وحيفا والقدس وعسقلان، وكُل النّجوع والقُرى والمُدن الفِلسطينيّة الأخرى، وسينزل إلى ساحات المُقاومة بكُل أشكالها مُضحّيًا بحياته ودمائه مِثلما فعل شبابه وماجداته في القدس ونابلس وجنين وغزّة، إنّهم لا يعرِفون هذا الشّعب، وسيعرفونه قريبًا بإذن الله.
***
الثّورة الفِلسطينيّة لم تتفجر من أجل محطّة كهرباء، أو محطّة تحلية، أو مشاريع خلق وظائف، أو تخفيض نسبة الفِقر، مثلما قال كوشنر، وإنّما من أجل ثوابِت العودة، وتحرير فِلسطين، كُل فِلسطين من النّهر إلى البحر، وليقُل كوشنر ورهطه ما يشاء.
نكتُب بعاطفةٍ، ونترُك الفذلكات لمن يُطلِقون على أنفسهم صفة المُحلّلين والخُبراء، فهذا زمن الصُحوة والتّوعية والوقوف في خندق المُقاومة، فأين أوصلتنا تحليلات المُحلّلين المُعتدلين وخُبراء بيع الوهم؟ لأنّ الخطر القادم على الأمّتين العربيّة والإسلاميّة خطيرٌ جدًّا، ولا يُمكن مُواجهته بالاستسلام تحت عُنوان “العقلانيّة” والقُبول بالفُتات، والمُقدّسات وأرضها تُهوّد أمام أعيُننا.
شكرًا لكُل الدول التي رفضت أن تكون جُزءًا من هذه المُؤامرة، ولم تُشارك فيها، رضوخًا لإملاءات كوشنر ورئيسه، شكرًا من القلب للبنان والعِراق والكويت والجزائر، وكل الدول العربيّة الأخرى التي فضّلت النّأي بنفسها عن هذه المِصيدة الإسرائيليّة، وانحازت إلى الكرامة الوطنيّة والثّوابت العربيّة والإسلاميّة، ولا ننسى في هذه العُجالة شُعوب المغرب وتونس واليمن ومِصر، وكُل الشّعوب الأُخرى التي انتفضت وانتَصرت لفِلسطين وأقصاها.
كُل من شارك في هذه المُؤامرة ويُوظّف أموال الأمّة في دعمها وتمريرها سيدفع ثمنًا باهظًا، فالزّمن يتغيّر والمُعادلات تتغيّر، والسّنوات السّمان بدأت وبسرعةٍ قياسيّةٍ، وثقافة المُقاومة، ورايات رِجالها تعود وقد يكون الفضل بصفقة القرن وكوشنر وحوارييه.. والأيّام بيننا.
في الأربعاء 26 يونيو-حزيران 2019 08:34:36 ص