نزار العبادي و تقزيم مارد الفساد
كاتب صحفي/نزار العبادي
كاتب صحفي/نزار العبادي
 رغم ماتشهده البشرية من تفتق في الوعي والمعرفة، بفضل ثورة تقنية المعلومات التي حققت حلم القرية الكونية، إلا أن مجتمعاتنا لازمت لوناً تقليدياً من الثقافة الشعبية التي تختزل دلائل المصطلح اللغوي في حيز ضيق للغاية، أو غير سليم، وأحياناً مغلوط تماماً..

حتى الآن ما إن تطرق مسامعنا مفردة «الفساد» حتى تقترن بصور الفساد المالي ومايدور في فلكه، وتقترن أيضاً بأجهزة الدولة ـ كما لو أن المفردة مفصلة لهذا المعنى، وهو الأمر الذي يجعل من غياب الفهم الكامل لكلمة «فساد» هو الظاهرة الأخطر من الفساد المالي نفسه،وذلك لأنها أقصت جميع الأشكال الأخرى للفساد من ساحة الوعي الشعبي، والترصد المدني الذي تقوم به المنظمات.. ومن جهة أخرى فإنها تكون قد أسست لمظلات ثقافية سلبية آمنة سرعان ماتمتد جسور الفساد المالي إليها في عملية مماثلة لغسيل الأموال، من خلال حماية نفسها تحت العناوين الأخرى للفساد.

فالفساد يعني أي ممارسة تخرج عن الأطر القانونية، والشرعية، والأخلاقية، والعرفية، والثقافية في نطاق بيئة محددة وليست مطلقة.. إذ إن الحكم بفساد ممارسة ما قد يختلف من بيئة لأخرى، ففي الولايات المتحدة ـ مثلاً ـ لايحق للرؤساء والوزراء الاحتفاظ بالهدايا التي يتلقونها من حكومة أو وفود بلدان أخرى، ولو فعلوا لأدينوا بتهمة الفساد، وهذا غير قائم في بلداننا.. وعلى نطاق أخلاقي تعد العلاقات الجنسية قبل الزواج في بلدان عديدة ممارسات مشروعة، والأطفال الذين يأتون منها شرعيين في حين تخضع مثل تلك الممارسات في بلداننا لعقوبات قانونية صارمة جداً، لكونها تندرج ضمن الفساد.

ويبدو أننا في مجتمعاتنا نفتقر كثيراً للتوازن في تعاطينا مع قضايا الفساد، حيث إننا نرمي بكل ثقلنا، وإمكانياتنا، ورهاناتنا على مسألة الفساد المالي، وبدرجة أقل الفساد الإداري، دون أن نلقي بالاً لأشكال الفساد الأخرى كالفساد : التشريعي، والسياسي، والثقافي، والأخلاقي، والفساد الذي يمارسه القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات العمل الخيري وغيرها، رغم أننا من حين لآخر نسمع عن فضائح فساد كبرى يتم اكتشافها في الغرب تحت مظلات المنظمات والمراكز الخيرية والشركات الخاصة التي تؤدي دور حماية الفساد أو تضليل العدالة، أو كوسيط آمن..

ولو تأملنا تجربتنا في اليمن لوجدنا ثقافة سلبية للغاية قامت على ترويجها قوى حزبية وأهلية اختزلت تهمة الفساد على القطاع الحكومي، وراحت هي تعيث في الأرض فساداً : تجارياً وسياسياً ومالياً تحت مظلات خيرية، وفكرياً وثقافياً على مستوى الأحزاب والمنظمات.. حتى بات من السهل علينا الاحساس وملامسة قوة التيار المناهض لجهود مكافحة الفساد، والذي يستخدم شعار مكافحة الفساد لاغراض حزبية وسياسية موجهة لترسيخ فكرة فساد الدولة وصلاح كل ماسواها..

ومن هنا وجدت رؤوس الفساد في تلك القوى ملاذاً آمناً، وقادراً على تأليب الساحة الشعبية في حالة تعرضه للمساءلة، وبذلك وجدنا أنفسنا محاصرين بالفساد، ومهددين باستشرائه وتناميه في ظل قيام رؤوس الفساد بتقديم الدعم المالي للقوى الحزبية، ولاعداد هائلة من منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام التي تكفل أولاً ترويجاً نظيفاً يضلل ساحة الرأي العام، ثم تكتماً على جرائم الفساد، إلى جانب ردع كل من تسول له نفسه فتح الملفات وهذا كله بسبب غياب التوازن وتقزيم شعار مكافحة الفساد والثقافة السلبية السائدة..

 
في الخميس 01 أكتوبر-تشرين الأول 2009 06:26:58 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=35