|
في كتاب "الرحلة الداخلية" يقدم لنا المفكر الهندي الكبير "أوشو" أمثولة رائعة للمحافظة على التجانس والوئام وما يرافقهما من الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة الوطن، من خلال حكاية رمزية يحذّر فيها من الانقسامات والانجرار وراء الأهواء الشخصية التي تكون عادة السبب في تمزيق وحدة الأمم والشعوب. وهنا نص الحكاية أو الأمثولة: "لقد صار حالكم أشبه بعربة شُدّت إلى الثيران من كل جانب، والثيران تجد على السير في الاتجاهات الأربعة كي يصل كل منها إلى غاية محددة.. العربة عرضةٌ للتفكك فالثيران تجرها في كل اتجاه من الجوانب المختلفة. هل ممكن أن تصل إلى أي مكان؟ لا يمكن أن يكون لها سوى غاية واحدة، مصير واحد، أن تتفكك إلى أجزاء وتتحطم".
الرمز واضح لا غموض فيه، ويمكن لنا بسهولة أن نضع الوطن مكان العربة، وأن نضع المتصارعين على السلطة مكان الثيران، وأن نتصور بعد ذلك مصير الوطن الذي تتنازعه القوى المختلفة والذي أصبح ضحية الاصطراع الداخلي الذي لن يؤدي سوى إلى نتيجة واحدة معلومة سلفاً هي التفكك والتفتت والقضاء على كل إمكانية للتعايش والانسجام، ولن يكون الوطن بحال من الأحوال من نصيب فئة واحدة من الفئات التي تشده كل واحدة منها إلى حيث تريد. ومن حسن حظنا في هذا البلد وفي بقية الأقطار العربية المبتلاة بالتنازع أننا لسنا ثيراناً بل بشراً ندرك أو ينبغي أن ندرك خطورة الاختلافات وما يؤدي إليه التنازع من تهشيم للأوطان وتخريب للقيم وتدمير لجوهر المواطنة وما تفرضه من توازنات وتنازلات ومن ارتقاء بالمواقف والإحساس بأهمية الوطن بوصفه بيتاً للعيش، ومجالاً لإثبات الذات الفاعلة المبدعة.
وإذا ما حاولنا الاستعانة بهذا الرمز "العربة والثيران" في توصيف واقعنا العربي فإننا لا نحتاج إلى جهد كبير، فالأقطار العربية، في وضعها الراهن، ومنذ سنوات طويلة، ما هي إلاَّ عربات تقودها الاختلافات والصراعات والشّد والجذب، كل فئة تمسك بزمام السلطة ترى أن الحق معها ولا يجوز أن ينازعها أحد في ذلك. وكل فئة تسعى إلى الإمساك بالسلطة عن طريق الثورة أو الانقلاب ترى أن الحق سيكون معها في أن تنفرد بالحكم وتقصي الآخرين أو تودعهم السجون. ومن هنا تنشأ الخلافات وتتطور وتتعدد أساليب الصراع، ويكون غياب المشاركة في حمل أعباء السلطة في مقدمة الأسباب، يضاف إلى ذلك التصور المغلوط الذي جعل الممسكين بالسلطة يرون فيها مغنماً لا مغرماً، ووسيلة للتسلط لا وسيلة لبناء الوطن وإتّباع الوسائل التي تؤدي إلى تقدمه والارتفاع بمستويات أبنائه معرفياً وصحياً وتغذية.
ولا بد أن يقال، وبصوت عال ومرتفع، أن "العربات" العربية باتت منهكة وغير قادرة على السير في الاتجاه الصحيح، وأن الخلافات الداخلية قد ألحقت بها أشدّ الضرر، وأن العداء المستحكم بين القوى السياسية المختلفة في هذه الأقطار بات أخطر عليها من أي عدوان خارجي. وكم قيل، وربما سيظل يقال إن العرب لم يستفيدوا من التجارب المريرة التي مرت بهم، فضلاً عن التجارب التي مرت بغيرهم، وهذا يكشف حالة التردي في الوقت الراهن، ويشير بوضوح إلى وجود حالة عالمية من عدم التعاطف مع العرب وقضاياهم، انطلاقاً من المبدأ الإنساني الطبيعي الذي يرى أن من لا يتعاطف مع نفسه ولا يساعدها على الخروج من المآزق المختلفة غير جدير بتعاطف الآخر ومساعدته. وإلى أن يتنبه العرب إلى هذه الحقائق البديهية، ويبدأوا في إصلاح ما أفسدوه في واقع "العربات" التي هي أوطانهم فإنهم لن ينالوا أي نصيب من احترام العالم وتعاطفه.
الأستاذ عبدالرحمن بجاش في "شهقة الفجر":
قليل هم الصحفيون في بلادنا الذين وصلوا إلى دنيا الصحافة عن طريق التخصص والتجربة والاطلاع المستمر. في طليعة هؤلاء الكاتب الصحفي الصديق الأستاذ عبدالرحمن بجاش. هذا الاسم المضيء في صحيفة الثورة منذ السبعينيات وحتى اللحظة، وهو صحفي مثقف متواضع، وكاتب لا يتوقف قلمه عن الإبداع، يمتلك حساً أدبياً ولغة ناصعة البيان. أسوق هذه الإشارات القليلة في حقه بمناسبة صدور كتابه الجديد "شهقة الفجر"الذي يضم مجموعة من المقالات العميقة والبديعة يقرأ فيه وجه الواقع والحياة والناس والمدن التي سكنت روحه قبل جسده. الكتاب صادر عن مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر، ويقع في 208 صفحات ومن القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
لا مكان لكم فيه
في عالم يتغير
لا تتوقف أقدامه في مكانٍ
ولا يشتهي أن يرى ما رآه.
وأنتم هناك على حالكم
واقفين على صخرةٍ جامدهْ.
الزمان تحرك
والناس
لاشيءَ باقٍ على حالِهِ
غيركم يا بقايا غبار
تسلل من أمةٍ بائدهْ.
"الثورة"
في الأربعاء 28 أغسطس-آب 2013 02:33:46 م