إذا عرف السبب بطل العجب
كاتب/فاروق علي حيدر
كاتب/فاروق علي حيدر
هناك ما يشبه الإجماع بين القوى السياسية في كل الأقطار العربية وخاصة أقطار ما يسمى بالربيع العربي حول قضية الأخذ بالنهج الديمقراطي القائم على منظومة من المبادئ أبرزها حرية التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع الحر المباشر من جماهير الناخبين . 
وهناك إجماع حول قضية أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع ،و أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية ،ولا خلاف حول احترام الهوية الوطنية في كل قطر على حدة ,واحترام الانتماء القومي كهوية قومية وانتمائنا الإسلامي كهوية دينية والانتماء للإنسانية كهوية دولية. 
هذه القضايا التي لا خلاف حولها تمثل أهم الثوابت التي يتم النص عليها في كل الدساتير التي يتم صياغتها في كل قطر عربي. 
أما المتغيرات المتعلقة بقضية التنمية عموماً وتفرعاتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ،وكذلك المتغيرات المتعلقة بالجوانب السياسية والإدارية والمالية والأمنية والدفاعية وغيرها الكثير والكثير من المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية فشأنها يخص جميع القوى والأحزاب السياسية مجتمعة أو كلاً على حدة ،لتضمينها في برامجهم الحزبية ومرجعياتهم الفكرية والأيديولوجية، وعلى أساسها يقوم التنافس على السلطة في كل مرحلة انتخابية عامة أو رئاسية أو محلية. 
وبرغم أن الجميع يتفقون على كل هذه القضايا وعلى ضرورة النص عليها في الدساتير التي تقوم عليها الأنظمة السياسية في الأقطار العربية ،إلا أن هذه الأنظمة السياسية لا زالت تعاني من تفاقم أزماتها السياسية حتى تلك التي صاغت دساتيرها وأجرت انتخابات ديمقراطية شفافة كمصر على سبيل المثال ،لكنها تعثرت وتدخل الجيش في تغيير الأوضاع وفرض مرحلة انتقالية جديدة برئيس انتقالي جديد وحكومة انتقالية جديدة تبدأ من الصفر، فصارت الأزمة السياسية أكبر مما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011 م وربما شهدت بعض أقطار الربيع العربي نفس الأزمات. 
وأسباب ذلك كثيرة تتعلق بحداثة التجربة ومن أبرز تلك الأسباب أن القوى والأحزاب السياسية لازالت تعتمد على أفكارها وأيديولوجياتها القديمة التي تجاوزها الزمن ،مما جعلها عاجزة عن القيام بدورها كما يجب وخاصة الأحزاب العلمانية ذات التوجهات القومية والليبرالية واليسارية أو الأممية وكذلك التنظيمات الإسلامية وإن بدت تمتلك شعبية وحضوراً أوسع مقارنة بالأحزاب العلمانية الآنفة الذكر. 
والسبيل الأمثل للخروج من تلك الأزمات والتأسيس لأنظمة سياسية عادلة وديمقراطية تحقق جميع أهداف الشعوب العربية و أهداف ثوراتها السلمية والحضارية ،هو أن تعيد جميع القوى والأحزاب السياسية النظر في مرجعياتها الفكرية والأيديولوجية ،بحيث يؤمن كل حزب بتلك الثوابت المتفق عليها والمنصوص عليها في الدساتير. 
وعندئذ فقط ستزول الوصاية الحزبية على الدين أو على الهوية الوطنية ،والقومية والأممية أكانت إسلامية أو اشتراكية أو إنسانية علمانية. 
فكل عضو في أي حزب سياسي في اليمن مثلاً هو يمني حريص على هويته الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، لكنه انضم إلى هذا أو ذلك من الأحزاب لاقتناعه بأدبيات الحزب ذات الصلة بجوانب وقضايا المتغيرات ،وكذلك يؤيد المواطنون والناخبون هذا أو ذلك من الأحزاب بالنظر إلى ترتيب الحزب لأولويات القضايا والمتغيرات في برنامجه السياسي ،فيحوز الحزب على الأغلبية أو الأقلية في عمليات الانتخاب والتصويت ويفوز بالسلطة أو يبقى في المعارضة. 
ولو تأملنا التطورات الحادثة في مصر هذه الأيام سنجد أن جميع الأحزاب العلمانية سلمت واستسلمت لتدخل الجيش في السياسة ،وكل طمعها أن تلقى القوى الإسلامية نفس المصير، وذلك من منطلق اعتقادهم بأن الجيش لن يتمكن من فرض نظام دكتاتوري عسكري خاصة أن هناك خارطة طريق يتم تنفيذها حالياً بعكس الإخوان كحزب أو تيار كان سيفرض نظاماً دكتاتورياَ يصعب التصدي له ،وكذلك أي حزب آخر وإن كان علمانياً ،لأن تجارب الماضي قد أثبتت ذلك فعلاً. 
ويقال في المثل اليمني« إذا عرف السبب بطل العجب» 
والخيرة فيما اختاره الله.

في الأحد 15 سبتمبر-أيلول 2013 07:12:24 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=621