|
«تمخض الجبل فولد فأراً» ذلك ما ينطبق على وزارة الكهرباء والقائمين عليها، ففي الوقت الذي كنا ننتظر منهم أن يرحمونا من المعاناة التي نعيشها جراء أزمة الكهرباء بأن يظهروا علينا بالجديد من الأفكار والمشروعات للنهوض بأوضاع الكهرباء وتطويرها، إلا أنهم خرجوا علينا بمشروع نظام عدادات الدفع المسبق والتسويق له كحل سحري لكافة المشاكل التي تعانيها الكهرباء في البلاد.
أكثر من 22 مليون ريال تم اعتمادها لبدء تنفيذ المشروع الذي يقول المنادون به إنه نظام عالمي معمول به في كثير من الدول المتقدمة وأحدث طفرة وتقدماً كبيراً في الخدمات الكهربائية في دول عدة كانت أوضاع الكهرباء فيها أسوأ من وضعنا، وإن كنت لا أعتقد أن هناك من أوضاعه أسوأ منا.
هذا النظام الجديد ـ وبحسب القائمين على وزارة الكهرباء ـ الهدف منه تطوير وتحسين خدمات الكهرباء وحل مشاكلها المزمنة ، ويبررون ذلك بأن هذا النظام سيضع حداً لمديونية الكهرباء لدى الغير وجدولتها وستقلل من نسبة الفاقد في الطاقة وسيحافظ على سلامة خطوط الشبكة الكهربائية.. وغيرها من المميزات والفوائد، غير أن هذه التبريرات غير منطقية لعدة أسباب سنأتي عليها تباعاً.
إذا كان صحيحاً أن هذا النظام سيقلل من نسبة الفاقد، إلا أن المسألة الأساسية هنا تتمثل في «أين هي الكهرباء أصلاً لكي نعمل على تقليل نسبة الفاقد منها؟»، أليس من الأولى أن نعمل على إيجاد كهرباء قبل أن نفكر في كيفية تقليل الفاقد منها، إذ كيف سنقلل نسبة الفاقد من شيء مفقود أصلاً، ألم يكن من الأجدى استغلال هذه الملايين واستثمارها في تطوير المنظومة الكهربائية المتهالكة حتى يستطيع المواطن الحصول على خدمة كهربائية دائمة، بعيداً عن الانطفاءات المتكررة التي لا أول لها ولا آخر.
وإذا كان صحيحاً أن هذا النظام سيوقف المديونية المتراكمة لدى الغيرـ طبعاً هذا مستقبلاًـ لكن ماذا عن المديونية السابقة المقدرة بمليارات الريالات والتي تمثل جزءاً أساسياً من أزمة الكهرباء كيف سيتم تحصيلها؟، الجهات المعنية تقول إنه سيتم جدولة هذه الديون وإضافتها فوق الاشتراكات المسبقة، غير أن السؤال هنا هو : هل سيكون بمقدور الجهات المعنية إجبار المدينين على دفع ما عليهم من ديون متراكمة منذ سنوات ولو على أقساط، أم ستتواصل العملية، ولكن هذه المرة سيكون بطريقة الدين المسبق، وإذا كانت الوزارة ومؤسساتها المختصة حريصة على تحصيل المديونيات، فلماذا لم تتخذ حتى الآن الإجراءات والطرق الكفيلة بذلك كأن يتم خصم المديونيات المقيدة على المؤسسات والهيئات الحكومية مركزياً عبر وزارة المالية، أو رفع قضايا المديونية للمحاكم لتقول كلمتها الفصل؟.
وإذا كان صحيحاً أن هذا النظام سيحافظ على سلامة خطوط الشبكة الكهربائية من التقطيع، جراء الفصل المتكرر، فكيف سنحافظ على خطوط نقل الطاقة من الاعتداءات المستمرة التي أصبحت بصورة شبه يومية، ولم تستطع الجهات المعنية إيقافها ووضع حد لها أو التخفيف منها، أما ما يقال عن فائدة هذا النظام في الحفاظ على الأجهزة المنزلية من التلف، فإن المستفيد من ذلك هم المسئولون والمتنفذون الذين لا تنقطع الكهرباء عن منازلهم، أما أغلب المواطنين فلم يعد لديهم سوى بقايا أجهزة أتلفتها الانطفاءات المتكررة للكهرباء.
هناك من يقول إن الإصرار على تنفيذ مشروع نظام عدادات الدفع المسبق وإيهام الناس بأنه حل سحري لكافة مشاكل الكهرباء ليس سوى هروب من مواجهة المعضلات الحقيقية لقطاع الكهرباء والبحث عن المعالجات الناجعة لها، كما أن الأمر برمته لا يهدف إلى تطوير الكهرباء ولا يحزنون، بل إنه يخفي وراءه ما يخفي من العمولات والصفقات المشبوهة لصالح رجال أعمال ومتنفذين ستؤول إليهم امتيازات تنفيذ وتركيب نظام عدادات الدفع المسبق.
أخيراً .. إذا كان اعتماد هذا النظام سيؤدي فعلاً إلى حل مشاكل الكهرباء فمرحباً به، لكن أولاً بـ«جاه الله» وفروا لنا كهرباء دائمة وبعدها طبقوا أي نظام تريدونه أو أية طريقة تخترعونها لتسديد قيمة خدمات الكهرباء التي تقولون إنكم تقدمونها للمواطنين ولا تكونوا كذلك الذي يفكر بالبردعة قبل الحمار.
في الأحد 29 سبتمبر-أيلول 2013 12:29:29 ص