الولايات المتحدة وخطيئة التنصت
دكتور/عبدالعزيز المقالح
دكتور/عبدالعزيز المقالح
‏هل هو سوء حظ أوباما أم سوء حظ العالم أن توضع الولايات المتحدة في هذه الدوامة من الأزمات الصعبة والمتلاحقة سؤال يردده كثير من المتابعين للشأن الأمريكي والشأن الدولي على السواء، فقد غرقت الدولة العظمى منذ مجيء جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، وحتى بعد خروجه، في سلسلة من الأزمات التي تتزايد مع مرور الزمن، تتزايد ولا تتناقص، وتأخذ أبعادا حادة كان أخرها مشكلة تنصت البيت الأبيض على حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، ووصول هذا النوع من التنصت المشين إلى مراقبة الهواتف الخاصة بالرؤساء، ومنها هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ماركل، وهو عمل غير مسبوق في التعامل الدولي مع الدول المعادية فضلا عن الدول التي ترتبط بعلاقات ومواقف مشتركة اقتصادية وسياسية.
‏وإذا كان ذلك هو حال الدولة الديمقراطية الأولى في العالم فماذا تبقى لدول العالم الثالث وللأنظمة الديكتاتورية التي تحرص على البحث في أدمغة مواطنيها عن محتويات أفكارهم، وماذا يقولون، وماذا يأكلون ويشربون، ومتى ينامون ويصحون: أين ذهبت مبادئ الحرية التي كانت موضع اعتزاز ومجالا لتباهي هذه الدولة الديمقراطية: وكيف يقبل المسؤولون الكبار في هذه الدولة على أنفسهم أن يتنصتوا على أسرار الغير وخصوصياته، وأن تشغل الدولة العظمى نفسها بمثل هذه الأمور المخجلة، والتي من شأنها أن تزرع ملايين الشكوك في صدور حلفائها وغيرهم من حكام العالم: وهل هذه هي أحدث أشكال الأخلاقيات التي تسود ما كآن يسمى بالعالم الحر؟ لقد تابع أصدقاء الولايات المتحدة وأعداؤها الاعتبارات الواهية المبررة لهذا الفعل الشنيع، ومن تلك الاعتبارات حفظ أمن الدولة العظمى التي بات قادتها يخشون عليها من نسمات الهواء إذا مرت فوق البيت الأبيض أو مبنى البنتاجون وصاروا من أجل القضية الأمنية المفتعلة يرصدون حركات الطيور في الفضاء، والأسماك في البحار! والسؤال هو: هل سيتواصل هذا الأسلوب المنافي للقيم والأخلاقيات المتعارف عليها بين الأنظمة التي تدعي أنها تتوج الديمقراطية والشفافية وتحترم الحقوق والحريات:!
‏ ‌» إنه الخوف» يقول كبار المحللين السياسيين، الخوف الذي سكن وجدان الساسة القائمين على شأن هذه الدولة العظمي، وهو خوف مبالغ فيه، ويخفي وراءه أهدافا لا علاقة لها بحماية أمن الولايات المتحدة؟ ومن تلك الأهداف الخفية محاولة إحكام السيطرة على شعوب العالم واعتبار دولها كأعداء جاهزين أو محتملين، وعندما تصل دولة عظمى إلى مثل هذه الحالة فإنها تكون قد بدأت العد التنازلي لمرحلة التخلي عن موقع المركزية، وبدء الاستعداد للمصير المحتوم الذي لا مفر منه، وسيكون من الصعب إيقاف حالة الانحدار المصاحب للأزمات المتلاحقة، كما سيكون من الصعب أيضا إعادة الثقة إلى الدول التي كانت موضعاً للتنصت مهما بذل حكام البيت الأبيض من محاولات أو أظهروه من مبررات، فالاختراق كان سافرا وفاحشا إلى حد لا يمكن تقبله أو غفرانه. وفي العبارات الحادة والمؤلمة التي أطلقتها السيدة أنجيلا ماركل، وما ظهر على وجهها من ملامح الامتعاض الشديد ما يؤكد ذلك.
إن الرياح العاصفة التي تمر بالرئيس أوباما تبعث على الإشفاق، وهو كل ما حاول الخروج من أزمة وجد نفسه وجها لوجه مع أزمة أخرى أكثر خطورة وأعمق تأثيرا من سابقتها، وفي تقدير الكثيرين أن أزمة التنصت هي الأسوأ والأخطر عليه ماديا ومعنويا، وأنها ستكتب أسوأ صفحة في تاريخه الشخصي والرئاسي، وسوف تكون بمثابة العلامة الدالة على انعدام الوازع الأخلاقي في فترة نظام حكمه للولايات المتحدة. وما أسفرت عنه من سلوكيات تتناقض مع أبسط القيم في تاريخ السياسة الدولية التي قيل الكثير عن تجاوزاتها وخروجها على المبادئ، لكن ليس بهذا الأسلوب المبتذل والمكشوف.

في الجمعة 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2013 11:18:58 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=700