من كلمة تجمُّع جاء مصطلح مجتمع، ولأن المجتمع الإنساني يتكوّن من مجموع أفراد، فإنه - أي المجتمع الكل - يشبه الإنسان الفرد في أمور كثيرة، كمراحل نموه.. وأمراضه العضوية والنفسية، والتداوي والاستطباب، والتعامل مع المستجدات بما يتناسب والظرف القائم، وبنصائح التعامل معها بما يفيد واقع الحال أو يساعد على تجنّب ضررها.
اكتفي بهذا المدخل القصير جداً للتوضيح لمن يتساءل عن هذا العنوان، أو لماذا نصائح سيئة؟! أو السيء من النصائح..
بما أن المجتمع الكل يشبه الإنسان في أمراضه، فإنه يشابهه أيضاً في العلاج أو التداوي، وكما يتداوى الإنسان أحياناً بدواء يحتوي على قدر من السم المميت، أوالكحول المحرّم -شرعاً- أو بلقاح يحتوي على قدر من الجرثومة أو الفيروس المراد التحصين منه أو ببتر العضو الذي صار يشكّل خطورة على بقية الأعضاء وتُسدى إليه النصائح التي قد لا تكون جيدة أو إيجابية، ولكنها تناسب واقع الحال، وتجاوز ظرفاً معيّناً فإن الشيء نفسه قد يحدث للمجتمع.
ولأن موضوعنا هو النصائح غير الإيجابية أو السيئة في نظر البعض، فلا تفوتنا الإشارة إلى شيء من تلكم النصائح التي استلهمها واستمدها السلف من واقع مُعاش وأوجزها في أمثلة شعبية حتى تخاطب الخاص والعام، الفرد والمجتمع ومنها:
“من عاش مُدارى مات مستور” “اترك فعل الخير ما ترى شر” “يّدْ، ما تقدر تكسرها بوسها” “جُنان يخارجك ولا عقل يِحْنبَكْ” “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” الخ.
وإذا ما كنا في مجتمعنا - اليوم - نعيش ظروفاً ومستجدات وتغيرات عدة، فإن هناك ما يُوحي بما يتم استخلاصه وتقديمه كنصائح قد تبدو سيئة للبعض، كما تبدو للبعض الآخر كالوصفة الطبية المشتملة على نسبة من السموم، أو من الجرثومة المُراد التحصُّن منها ومن تلكم النصائح:
- إن كنت من شاغلي مواقع مُدِيرِي العموم المصنّفين في المنزلة بين المنزلتين -أي لا من بقايا النظام السابق ولا من عصب النظام اللاحق - عليك بشيئين:
1 - الإمساك بشَعَرةِ معاوية، متحاشياً شدّها وإن أرخاها الطرف الآخر.
2 - أن تفتح أبواب ما تحت يديك من المال العام أمام من تخشى (زَعَلهم) وعدم رضاهم.
- إن كنت رئيساً لمصلحة، أو مؤسسة ومافي حكمها عليك، بشيئين:
1 - الانتماء - سلوكياً - إلى المدرسة الفلسفية البرجماتية..
2 - الإكثار من نقد (الخَلَفْ) والشكوى من تركة ورثتها..
- إن كنت من ذوي المراكز القيادية ومواقع اتخاذ القرار عليك بشيئين:
1 - الانتماء إلى مدرسة (اللاَّ أدريين) الفلسفية، وإن كانت تعود إلى ما قبل القرن الثالث ق. م.
2 - ان تنفذ رغبات من وصفة الفيلسوف اليوناني أرسطو بـ(المُحرّك الذي لا يتحرك) وإن لم تكن مقتنعاً بما تفعل، فالمرء قد يؤجر وإن على رغم أنفه.
- إن كنت محامياً تخشى على حياتك، وكرامتك ومالك.. عليك بشيئين:
1 - الابتعاد عن أية قضية تداخلت فيها السياسة التي لا أخلاق لها، والدماء والأرواح المستباحة المراد قطع خيوط وطمس ملامح جرائمها، فتجنُبها يجنبك الرقدة الأبدية بكاتمِ صوت على سرير نومك.
2 - لا تتحمّس لأخذ حق مظلوم، من ظالم وجد نفسه فوق العدل وفي خدمة شهواته خادمان، هما الشرع والقانون، حتى لا تجد كبدك قد خطف من بين أضلاعك.
- إن كنت من مهرّبي ما خفّ وزنه.. والسلاح بمختلف عياراته عليك بشيئين:
1 - الاعتماد على سيارة لنقل القات إلى المدن، على أن تكون بجانبك مجموعة من أكياس القات (بزغة أو قطل) لتوزيعها في النقاط المزعجة والمرور بسلام فليس هناك ما يفتح القلوب كالولعة (للمولعي).
2 - الاعتماد على ناقلات النيس وأحجار البناء و(الكرّي) القادرة على إخفاء ما لديك - وإن سلاحاً ثقيلا ً- ، وذلك لصعوبة تفتيشها، وغياب الأجهزة القادرة على كشف ما تحت حمولتها من الممنوعات..
- إن كنت سائقاً مستهتراً وتخشى ضبط مخالفاتك المرورية والأخلاقية، أو تنوي القيام بجريمة ما وتفرّ بسلام عليك بشيئين:
1 - انتزاع اللوحة المعدنية الخلفية لسيارتك، ووضعها بجانبك على كرسي القيادة وإبرازها في حالة سؤالك عنها - من رجل مرور أو نقطة أمنية - مؤكداً أنها سقطت دون إرادتك، وأنك ستعيدها عند مصادفتك لأول ورشة حديد.
2 - تشويه أرقام اللوحة المعدنية لسيارتك أو إخفاء بعضها، أو العبث بها بتحريف أحد أرقامها أو إضافة رقم آخر، فلن تجد من ينتبه لذلك إلاّ فيما ندر والنادر لا حكم له.
- إن كنت من العاملين على إثارة فتنة نائمة أو طُلب منك ذلك لسبب من الأسباب عليك بشيئين:
1 - أن تتعلّم جيّداً على أيدي الخبراء المعنيين عملية التلاعب بالعقول، إلى أن يتم تعليب ما أمكن تعليبه منها..
2 - الانحياز لطرف من الأطراف، بما يدفعه إلى المزيد من تعنّته، والدفع بالطرف الآخر إلى رد الفعل النابع من الشعور بالمظلومية.
تلك هي نماذج من النصائح التي لا تروق للبعض وربما للكثيرين، «في ظروف ومستجدات تتمخض عن نصائح سيئة من هذا القبيل» وبما أنها نتاج تجربة أفرزتها، كما هو شأن تجارب سابقة أفرزت نصائح بلورها الأجداد في أمثلة شعبية أشرنا إلى بعضها.. بما أن الأمر كذلك نِعد الراغبين في النصائح (السيئة) بموقع بريدي الكتروني لتزويد الراغبين فيها دون مقابل..
شيء من الشعر:
(مسرورُ) التاجرُ والسجَّان
يطاردُ كُلَّ الأنجم في ليل (اللَّا أدريين).
ويسرقُ مِنها الضَوءَ بكاتمِ صوت.
***
(مسرورُ) الغجريُ المعروفُ بداءِ عَمَى الألوان
يستجوبُ من في القائمة السوداءِ
بكاتمِ صوت
ويحاكمُ أقلاماً
تأبَى أن تُحْبَرَ بالبترول
وتكتبُ في فنِ التحنيط، ورأسِ الغُولْ.
في الإثنين 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2013 10:34:04 ص