|
في الوقت الذي يتجه فيه اليمن إلى الخروج من أزمته السياسية بعد أن اتفقت أطرافه وتياراته بمختلف تنوعاتها أخيراً في حوارها الشامل المنعقد منذ الثامن عشر من مارس الماضي بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على معالم خارطة طريق المستقبل وكذا الإجراءات العملية التي تمهد لحل كافة المشكلات العالقة والمعقدة والتي ظل يعاني منها اليمن منذ ظهور دولته الجديدة في ستينيات القرن الماضي إلا أنه وفي اللحظة التي استبشر فيها الناس بالتقدم الذي تحقق على صعيد التسوية السياسية ومسارات الحوار الوطني الذي أنجز معظم الملفات المعروضة عليه ولم يتبق أمامه سوى التوافق على عدد الأقاليم التى ستتشكل منها الدولة الاتحادية الجديدة فقد فوجئوا بردة فعل الإرهاب الأعمى الذي أخذ يضرب بأطنابه في شوارع ومؤسسات البلاد باحثاً عن ضحاياه ليقتلهم بدم بارد ليكتشف الجميع ان الوصول إلى الاستقرار السياسي أسهل من تحقيق الاستقرار الأمني لسبب بسيط وهو أن التغلب على تحديات الإرهاب تستوجب وقتاً ونفساً طويلاً وخطة متكاملة للقضاء على منابت هذه الظاهرة والدوافع المؤدية إليها.
ولابد وأن الكثير في اليمن وخارجه قد صدموا بهول وبشاعة الجريمة التي ارتكبتها إحدى المجموعات الارهابية الخميس الماضي في مستشفى مجمع وزارة الدفاع وسط العاصمة صنعاء والأسلوب البربري الذي استخدمته في تصفية وقتل كل من صادفتهم من أطباء ومرضى وزوار وعاملين دون استثناء لطفل أو امرأة اأو شيخ عجوز. وهو ما عكس قبح ذلك الفكر المتطرف والعدواني الذي عشعش في عقول هذه الجماعة الإرهابية التي قتلت أولئك الضحايا قناعة منها ان كلاً منهم سيبعث حسب نيته وعمله فمن كان مؤمناً فقد سرعت له بالجنة ومن كان على العكس فقد سرعت له بالنار وأما الأطفال فهم طيور الجنة حسب زعمها.
وقد يكون من المؤلم أن يتسرب مثل هذا الفكر الضال إلى اليمن المعروف بتسامحه ووسطيته وأن يظهر في بلد وصفه الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم ببلد الإيمان والحكمة.
لقد اتخذ اليمن الكثير من الإجراءات في مواجهة مخططات الإرهاب إلا أن التركيز في هذه الإجراءات ظل منصباً على جانب الحد من أعمال الاغتيالات والتفجيرات فيما تم إغفال الهدف الرئيس في تلك المخططات والذي يستهدف قتل أي ملمح للاستقرار وإفشال العملية السياسية والإبقاء على هذا البلد غارقاً في مستنقع الأزمات المتلاحقة وهو ما يدلنا عليه تصاعد العمليات الإرهابية في الآونة الاخيرة والتي وإن كانت ليست بعيدة عن ما يحدث في المنطقة العربية من تطورات واصطفافات حادة.. مع ذلك فما كان للإرهاب أن يجد له مكاناً في اليمن من دون وجود بيئة داخلية حاضنة مستعدة للتعاطي والقبول.
وبطبيعة الحال فلم يعد من الواقعية أن تختزل أدوار ومسؤوليات القوى السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع اليمني في هذه المعركة ببيانات الاستنكار والإدانات التي يصدرها البعض فور وقوع الجرائم الإرهابية أو بالتزامن معها إذا ما علمنا أن هذه الأطياف معنية قبل غيرها بحشد المجتمع في اصطفاف وطني حتى يتسنى إيقاف هذه الموجة العنيفة التي باتت تتهدد الجميع وتعمل على خنق حاضرهم وضياع مستقبلهم ونعتقد أن هذه الأطياف مطالبة اليوم بالإسراع في إنجاز ما تبقى من مهام مؤتمر الحوار الوطني وعدم السماح لأي طرف بالتلاعب بالوقت وممارسة التسويف وأي نوع من أنواع المماطلة حيث إن الانتهاء من استحقاقات مؤتمر الحوار هو الكفيل بتعطيل مفاعيل البؤر الأمنية وإسقاط رهانات عناصر الإرهاب المتطرفة وتجنيب البلاد الانزلاق إلى متاهات المجهول.
في الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2013 08:59:04 ص