|
ـ أتذكر قصة عن أحد أئمة المذاهب.. أنه كان على شاطئ النهر فوجد طفلاً يلعب على الشاطئ، فقال: له الإمام، لا تلعب يا ولد على الشاطئ، فقد تزل قدمك، وتقع في النهر، فتموت.. فأجاب الولد على الإمام: يا إمام، أنا إن زلت قدمي، ووقعت في النهر ومت، فسأموت وحدي، لكن إذا زل العالم زلت بعده أمه، وماتت، وباستغراب واندهاش من الإمام، وضع الإمام يده على رأس الولد، فوجد أن هناك دماغاً يغلي داخل رأس الولد، فنظر إلى مرافقيه: هذا الولد لن يطول عمره، وسيموت، فقال مرافقوه: لماذا يا إمام؟! قال: للولد دماغ متوقد متقد لن يتحمله الفتى، وفعلاً مات الفتى بعد فترة قصيرة من ذلك اللقاء والحوار مع الإمام.
ـ المهم من القصة.. ما قاله الولد: أنه إذا زل العالم زلت بعده أمه وماتت، والإمام هو العالم الفقيه عند المسلمين، وقد يسمى الشيخ، أو يسمى الفقيه أو المرشد، وخلافه من التسميات لا تهمنا هنا، وكل ما يهمنا هنا هو ذلك الشخص العالم الذي تعتمد عليه الأمة كمرجعية دينية، تعود إليه للسؤال والاستفسار والاستفهام عن أمورهم الدينية، وحسب ما يفتي به تتبعه وتعمل به الأمة، ولذا يجب أن يتميز العالم بالورع، والتقوى، والعقلانية، والموضوعية، وكذا الاعتدال، والسماحة، وحريص على وحدة الأمة، وسلامتها، وتعايشها بإخاء يحفظ الأمة من الفتن، والغلو، والتعصب، والتطرف، والاختلاف، فتثور بينهم العداوة والبغضاء، والحقد، والكراهية، وتنشب بينهم الحروب ويقتل الناس بعضهم بعضاً، وتموت الأمة، وهذا ما قصده الفتى حين قال الفتى للإمام، إن زلة الإمام، أو العالم، أو الشيخ، أو الفقيه، تزل بعده أمه أي تموت بعد زلته أمه.
ـ وها نحن في زمن يصدق على ما قاله الفتى للإمام.. أن الإمام إذا زلّ زلت بعده أمه، فزلل العلماء اليوم وتعصبهم، وتطرفهم، وانقسامهم شيعاً وأحزاباً وإتباعهم الهوى، وأغرتهم الدنيا، وتجاذبتهم المصالح، والسلطات، والمال، والثروة، وصار لكل أتباعه من العامة، والغوغاء عبأهم كما يريد، وحسب أهدافه، وضللهم حتى لا يسمعون غيره، يكفر الآخرين، والجهاد ضدهم، وهكذا عمت بلاد الإسلام والمسلمين، الفتن، والاقتتال، وصار المسلمون يقتلون، ويذبحون، ويبيحون دعاء بعض، وبطرق وأساليب شنيعة، وكل هذا لأن علماء المسلمين زلوا فزلت بعدهم الأمة وأصبحت تقتل بعضها دون رحمة، أو شفقة، دون وعي أو عقول تدرك أن ما تقوم به محرم، وحرم في الإسلام، وفي كل شرائع السماء.. فالمسلم لا يقتل إلا بثلاث، وبحكم قضائي شرعي، ينفذ من قبل السلطة وبعد التصديق عليه من الحاكم، وليس من حق أي أحد أن يتهم، ويدعي، ويقضي، ويحكم، وينفذ الحكم إلا الحاكم ولي الأمر، وغير ذلك فهي الفوضى، وللحاكم أو ولي الأمر أن يخمدها بكل حسم وقوة والشرع والقانون معه.
ـ وعليه ندعو علماء الأمة العودة إلى الرشد، وتوحدهم، وأن يكون لهم مجلس واحد، ويكون للبلاد مفتي واحد مجلس الإفتاء يعينه ولي الأمر، وتصير المنابر للمساجد لعلماء يرشدون ويوحدون ويؤاخون، ويصلحون بين أبناء الأمة، ولا يأتوا إلى الأمة بما يفتن ويكفر ويشعل نيران التمزق والحرب بين أبناء الأمة.. وبالتالي يكون قد قتل الأمة.
في الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2013 09:08:51 ص