إنصافاً لأبناء الجنوب وحزب فتَّاح

من الشهادات التي ستظل محفورة على جدار التاريخ.. أن أُدباء اليمن ومفكّريها وكُتابها الأعلام، هم من حافظ على وحدة البنية الثقافية لليمن، وحماها من شرخ التشطير الذي حاول الغزاة والمستعمرون فرضه على البنية الثقافية كما رسموه على البنية السياسية، بتشطير اليمن إلى شمال وجنوب، وفقاً لما أُسمي بالخط العثماني، وكذلك الخط البريطاني، وتشطير جنوب اليمن أو ما كان تحت الهيمنة الاستعمارية البريطانية إلى شرق وغرب تحت مُسمَّى المحميات الشرقية والمحميات الغربية، وما تخللها من سلطنات وإمارات..

سيظل التاريخ شاهداً بأن الأقلام اليمانية قد حمت البنية الثقافية من شرخ التشطير السياسي الذي فرضه الغزاة والمستعمرون على الأرض، ولهذا قال شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني: بعد استعادة وحدة الوطن ومع بوادر أزمة 1994م التي انتهت بحربها المدمرة المؤلمة: كنا قبل الوحدة شعباً واحداً بنظامين سياسيين، فهل سيجعلون منا شعبين بنظام واحد؟!

وإذا ما كانت تلك هي شهادة التاريخ لأُدباء اليمن وكُتابها، فإن شهادته التي لن تُمحى أو يحجبها البعض مهما فعلوا وقالوا، هي أن اليسار في اليمن برموزه العظام -من عبدالله باذيب إلى عُمر الجاوي وجار الله عُمر.. وغيرهم- هو من قاد مسيرة العمل الوحدوي التي ترجمها الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه الشرفاء الأوفياء، فإليه تعود الخطوة الأولى التي تلت مباشرة طرد المستعمر الأجنبي، وهي توحيد اثنتين وعشرين سلطنة ومشيخة وجمهورية -كالتي أُسميت بجمهورية دثينة - وأنه من عمّق الروح الوحدوية لدى أبناء الجنوب، وجعل منها مُكَوِناً لنفسية جيل ترعرع في عهده.. بدليل النهج والإيمان الوحدوي الصادق، الذي جسده أبناء الشعب في الجنوب، وبما ميّزهم عن كثير من إخوانهم في الشمال.. وما أكثر الشواهد على ذلك، ومنها -للاختصار وضرب المثل فقط- أن الحزب الاشتراكي اليمني عندما أقدم على الخطوة العملية الثانية لاستعادة وحدة اليمن، قد انطلق من إرادة الجماهير في الجنوب ولم يختر الكونفدرالية ولا الفيدرالية التي عرضها عليهم إخوتهم في المؤتمر الشعبي العام -الشريك الشمالي له في تحقيق الوحدة- بل اختار الوحدة الاندماجية.. وأقدم على كل ما أقدم عليه من مفهوم وقناعة أنها وحدة بين شعب واحد.. لا بين شعبين، بغض النظر عن وجود نظامين وأيديولوجيتين.. وهذا ما جعل البعض يصف أمين عام الحزب حينذاك الرئيس علي سالم البيض ورفاقه بالمتهورين.. مع أن واقع الأمر يؤكد أن ليس هناك تهور، أو هروب إلى الوحدة كما تذرع به خصومهم، بل هناك ترجمة لمبادئ، وتحقيق لإرادة شعب وتلبية لإرادة جماهيرية، بشهادة مالا يستطيع أحد نكرانه مثل: عدم العمل بالتقاسم الموحي بأن الوحدة تمت بين شعبين كالمطالبة بالمناصفة في البرلمان «50 بـ50 %» حيث قُسِمت الدوائر الانتخابية حسب التعداد السكاني شمالاً وجنوباً «من 60 - 65 ألف نسمة لكل دائرة انتخابية» وتم تحديد الدوائر على هذا الأساس «301»، ولم يطالب الحزب الاشتراكي بامتيازات تراعي أو تمنح لممثلي الجنوب في التصويت البرلماني، بل تحسم الأمور وفقاً لتصويت الأغلبية، ولم يطالب الحزب الاشتراكي بالمناصفة في الوظائف العامة والقيادية الوسطية والعسكرية والقضائية، وحصر المناصفة على مقاعد الحكومة، ليس من مفهوم الامتيازات الممنوحة، ولكن من أجل الشراكة في تحمل المسئولية في تثبيت دعائم الوحدة ورسم ملامح اليمن الجديد.. والطريق الذي ستنهجه الأجيال لشعب لا تعكر شئونه مشاعر الإحساس بالفوارق والامتيازات.

تلك مجرد أمثلة لأُسس ومبادئ نبيلة استعاد شعبنا وحدته على قيمها وأخلاقياتها وهي ما نستعيده اليوم في خضم هذا اللغط والأخذ والرد والجدل حول وثيقة معالجة القضية الجنوبية، وتحديداً ما توصف بامتيازات وفوارق توحي بأن الوحدة في العام 1990م قد تمت بين شعبين ونظامين على أُسس خاطئة، وكذلك حكاية الأقاليم والثروة السيادية ومن يحدد توزيعها، وعدد الأقاليم «إقليمين أو ستة» أو ما يوصف بأنه إحياء للمشروع الاستعماري كمحميات شرقية وغربية في الجنوب، ولخطوط فصل عثماني وبريطاني بين الشمال والجنوب.. وغير ذلك من الملاحظات بما فيها التشريعات الخاصة بالأقاليم.. نستعيد اليوم أُسس ومبادئ استعاد شعبنا على أساسها وحدته في العام 1990م، ونتساءل: هل مشكلتنا الكأداء اليوم هي الأقاليم وحدودها وعددها؟ هل هو القهر والإقصاء والتهميش؟، هل نهب الثروات واستباحة قوانين ومقومات الدولة..؟ أم مشكلتنا الأولى هي ما أصاب منجز الوحدة من شوائب وممارسات خاطئة دفعتنا إلى البحث عن وثيقة عهد واتفاق تنقذ السفينة من الغرق، فحصدنا حرب 94م التي لازالت جراحها مفتوحة إلى اليوم، ثم إلى حراك وأحداث تتداعى بصورة لم يستطع إيقافها حتى مؤتمر الحوار الوطني الشامل وخيرة الخيرة من أبناء اليمن.

إن كانت تلك هي مشكلتنا فما علينا إلاّ الوقوف أمامها بجدية من ينظر إلى مشكلته بموضوعية ومنهجية من حيث البحث عن جذورها وتفكيكها وترتيب بواعثها حسب الأهمية والخطورة ثم تحديد المعالجة السليمة.

إن وقفتنا الجادة أمام ما دفع بالأمور إلى ما آلت إليه، تضع بين أيدينا مفتاح الحلول المناسبة القادرة على استيعاب مخرجات الحوار الوطني وتطبيقها بما يبني دولة ويحدد ملامح مستقبل نحن المؤتمنون عليه وفاءً لأجيالنا، وينصف أبناء الجنوب كدعاة وصُنّاع وحدة ورواد منجز عظيم، لا أصحاب مظلومية اكتوى بنارها -أيضاً- أبناء الشمال وبالتساوي.

 

شيء من الشعر:

مات مولودنا في يد القَابِلَه

اوقفت سيلَنا حجرُ السائله

الطريق اختفى

قبل أن تصلَ القافله

والعروس التي تاق قلبٌ إليها

تُزَفُ إلى بيتها أرمله

   
في الإثنين 06 يناير-كانون الثاني 2014 01:27:03 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=855