|
تدافع مجموعة الأطفال الأشقياء من تلة رملية مرتفعة على مرمى حجر من حارة المرايا والدهشة. حدث ذلك في يوم بعيد من أيام الصفاء. عندما كان البحر الأخضر، ملتصقاً بالسماء الزرقاء الصافية، وكانت النوارس البيضاء الناصعة تسبح في الهواء كما لو أنها أسماك بحرية تتماوج مع المياه، فيما ينهض النائمون بالترافق مع طيور الفجر الشفقية، ليباشروا يوماً آخر يعيد تأكيد كروية الأرض. كان الوقت يتَّسع لكامل التفاصيل الممتدة من الفجر إلى المغرب، وكان سُلطان النوم سيد الموقف مع حلول الظلام، ذلك الذي يلف الحارة ويتركها مع أسرار المساء المديدة، وكان توازن الروح والجسد مقروناً بتلك القناعة والرضا المثاليين، كما لو أنهما احتياط لا ينضب.
لم تكن حارة المساء والماء والنوارس والبشر مفارقة لموسيقى الوجود، بل كانت تجسيداً تلقائياً لها.. لا فرق هنا بين الكونتراباص والتشيللو.. لا فرق بين العود والكمان .. ولا تناقض بين القرار والجواب، فالكل مخطوف بمباشرة ذلك اللحن السماوي الذي يقبع في طمأنينة الجواب الناجز لكل سؤال محتمل!، والكل يستمد رومانسية الوجود من تلقائية الانسياب الشفيف مع الماء والهواء.
في تلك الحارة لم نكن نعرف الأسماء بوصفها ترميزاً للنوع، بل باعتبارها صداقة دائمة مع الأنواع الحيوانية والنباتية .. لا فرق هنا بين الطيور والفراشات.. وبين الخيول والجمال، فالكل ينتمي للمعاني الفريدة القادمة من معجزات البهاليل وأحوالهم المدهشة.
كان « دَمْدَمْ » أهم بهلول في الحارة، وكان تراتب الحركة والسكون في اسمه الرباعي مؤشراً لمؤشرات صوتية طبعت الحارة بإيقاعها الدائم .. البسيط والمُتراتب، حتى أن الأطفال كانوا يتحدثون بلغة «الجِن»، فقد دأبوا على التحادث بلغة تتقاطع مع لازمة لفظية واحدة هو الجيم، يقولون بدلاً من: كيف حالك؟.. يقولون: «كجيفجحجلجك»، وهكذا كان الحال مع عوالم الجن الغامضة التي انتشرت بين الناس كحقيقة يومية تدور في جلسات الثرثة النسوية المنتظمة عصر كل يوم، فقد كان أشهر عازب في الحارة، يُتَّهم من قبل النسوة بأنه متزوج على جِنِّية شابة جميلة، وقد اختلط هذا الاتهام الافتراضي بغيرة نسوية شديدة، نظراً لزهده التام في نساء الحارة اللائي كن يعتبرن أنفسهن أجمل من نساء الجن.
Omaraziz105@gmail.com
في الثلاثاء 07 يناير-كانون الثاني 2014 02:36:26 م