|
بمجرد ذكر الصمت يتبادر إلى الذهن الوجه المقابل وهو الصوت ، وبالتالي يصبح الصمت والصوت وجهين لعملة واحدة، وتبدو دلالة المسألة أكثر وضوحاً في الجوانب الفنية والجمالية، فقديماً قال الشاعر :
والحُسنُ يُظهر حُسنهُ الضّدُ.
والمعلوم أن الصمت يوازي فعل البدء في كل ظاهرة صوتية ، فالموسيقى يسبقها صمت ، ونهاية للحن أو «القفلة» معيارها الصمت الإيحائي الذي يعيد رجع صدى الألحان في ذهن المتلقي .
على المستوى التشكيلي يستقيم العمل الفني على دلالة الصمت المطلقة، فالموسيقى البصرية قرينة الصمت، والإيحاءات الجمالية أثناء الاشتغال على الرسم أو بعده تتّصل اتصالاً عميقاً بالعوالم الداخلية للفنان .. تلك العوالم التي يستجليها الفنان بالتأمل والصمت، ثم يتداعى معها لينتج عملاً فنياً .
اعتدّت الآداب الإنسانية بمفهوم الصمت من النواحي التالية:
- الصمت بوصفه تعبيراً عن الإبحار في الذات.
- الصمت بوصفه خياراً للتأمل والتفكير.
- الصمت بوصفه قريناً للفراغ ، والفراغ هنا يعني الامتلاء ، ذلك أن النظر إلى الفراغ مدعاة لمعرفة الأسرار، كما أن الفراغ يتجسّد في كل أنواع الفنون البصرية والموسيقية والكتابية .
- الصمت بوصفه النبع الذي يلهم الفنان أفكاراً ورؤىً وتجارب.
على المستوى السيكولوجي سنلاحظ أن الصخب المقرون بالمدن الحديثة يترافق معه نوع من الاحتماء بالصمت، فالإنسان المعاصر يجد نفسه في عالم متعدد الأبعاد .. عامر بالصخب .. قلق ومتشظٍ ، ولهذا يمكننا ملاحظة درجة احتماء الإنسان بالانصراف إلى الصمت سواء عبر القراءة، أو سماع الموسيقى ، وحتى الابتعاد الإجرائي عن الآخرين مما هو مشهود في المدن الحديثة .
هذا النوع من الاحتماء بالصمت له دلالة مزدوجة، فهو يؤشر إلى قلق الإنسان وبحثه عن الصفاء هرباً من الصخب، وهو من جهة أخرى حالة سيكوباتية فرضتها عوامل العصر ومؤثراته اللامتناهية التي سلبت الإنسان الطمأنينة والصفاء .
تكمن جمالية الصمت في تلك المنطقة «الفارغة » التي تستبدل الصخب بالهدوء، ويمكن ملاحظة معنى الصمت بوصفه رديفاً للفراغ من خلال الدوال الفنية التالية :
- في الحروف تستقيم الخوارزميات الكتابية والصوتية على تبادل مؤكد بين الحركة والسكون، مما يدلل على أهمية الصمت والفراغ في إطار الحرف المكتوب، واستتباعاً الكلمة والجملة .
- في اللوحة يتوازى الصمت والفراغ مع المساحات المفتوحة للبُعد الثالث، كما أيضاً تتناوب العلاقات اللونية بين الداكن والفاتح .. البارد والحار .
- في الموسيقى يترادف الصمت والفراغ مع المسافات الموسيقية التي تصل وتفصل بين جملة موسيقية وأخرى، كما تعتبر المقدمة اللحنية والقفْلة دالة كبرى في هذا الباب.
- في الأعمال الفنية المفاهيمية التي تستقيم في فراغ البُعد الثالث الحقيقي، يكون الصمت رافعة أساسية لما يتمرأى أمام المشاهد من عمل فني .
- في المسرح تعتبر ميزانسين الخشبة والصالة دالة للصمت والفراغ .
- وهكذا نستطيع أن نرصد معنى الصمت والفراغ في كل الأعمال الفنية.
في السبت 01 فبراير-شباط 2014 04:27:27 م